غير مسبوق: مشروع علمي عملاق لحجب أشعة الشمس وخفض حرارة الأرض

يدعم مؤسس شركة “مايكروسوفت” بيل غيتس، بالتعاون مع مجموعة من علماء جامعة “هارفارد”، خطة مذهلة لمعالجة تغير المناخ بواسطة الهندسة الجيولوجية وحجب أشعة الشمس. هذه الفكرة التي وُصفت في الأوساط العلمية بالمرعبة، نظراً لغرابتها، ستكون أول محاولة حقيقية للتحكم في درجة حرارة الأرض بواسطة هندسة الطاقة الشمسية، رغم أن مفهوم انعكاس أشعة الشمس اصطناعياً معروف منذ عقود.

حل لتغير المناخ
مع تزايد قلق العلماء والوكالات الحكومية والمجموعات البيئية في جميع أنحاء العالم، من قدرتنا الجماعية على الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة والحد من تغير المناخ، أصبحت فكرة الهندسة الجيولوجية أكثر قبولاً. وسيكون الهدف النهائي لخطة غيتس وعلماء الجامعة الأميركية هو تقليل الاحتباس الحراري على الأرض. وحاول العلماء تحقيق ذلك سابقاً عبر تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة، أو امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الجو، ونجحوا بدرجات مختلفة. لكن فكرة الحد من أشعة الشمس التي تصل إلى سطح الأرض تبقى، وفق رؤية غيتس و”هارفرد”، الحل الأمثل.
كانت فكرة حجب أشعة الشمس مثيرة للجدل في الأوساط العلمية منذ عام 1991 بعد ثوران بركان “جبل بيناتوبو” الذي أطلق 20 مليون طن من ثاني أكسيد الكبريت في الستراتوسفير (إحدى طبقات الجو العليا) وأسفر عن تبريد الكوكب بأكمله بمقدار نصف درجة مئوية لمدة عام ونصف تقريباً. وبقيت الفكرة محط جدل بسبب عدم القدرة على فهم عواقب حجب أشعة الشمس جزئياً. واليوم عادت بقوة إلى الواجهة، ليُتوقع أن تصبح تجربة حقيقية في السنوات المقبلة، بعد انتهاء العلماء من دراسة تأثير هذه الطريقة على أنماط هطول الأمطار وطبقة الأوزون التي تحمينا من الأشعة فوق البنفسجية الخطرة وإنتاجية المحاصيل على مستوى العالم.

كيف تُحجب أشعة الشمس؟
يقوم بيل غيتس بتمويل مشروع الاضطراب المضاد للستراتوسفير (SCoPEx)، والذي بدأ كشراكة بين الكيميائي جيمس أندرسون والفيزيائي ديفيد كيث من جامعة هارفرد. وبدأت التجارب الأولية قبل أشهر لاختبار نماذج لإطلاق منطاد قابل للتوجيه من صحراء نيو مكسيكو جنوب غرب الولايات المتحدة، على ارتفاع 20 كيلومتراً في الستراتوسفير. وبمجرد وضع المنطاد في مكانه، يطلِق جزيئات صغيرة من كربونات الكالسيوم لرصد قدرات الغبار العاكسة للشمس، وتأثيراتها على الهواء المحيط.

ويعتزم باحثو جامعة هارفارد في خطتهم النهائية إرسال 800 مركبة ضخمة لرش ملايين الأطنان من كربونات الكالسيوم في الستراتوسفير، ما يخلق ظلاً شمسياً هائلاً، يعكس بعضاً من أشعة الشمس والحرارة في اتجاه الفضاء. وبينما لا يمكن محاكاة الكمبيوتر أن تذهب إلى أبعد من ذلك في تنبؤها بتأثيرات تقنية الهندسة الجيولوجية هذه، فقد حان وقت الاختبار الحقيقي، حسب العلماء.

تطمينات من المخاطر والتكلفة
يؤكد العلماء أن الاختبار لن يشكل “أي خطر كبير على الأشخاص أو البيئة”، ويطمئنون بأن كل ما يتداول عن تغيير في متوسط درجة حرارة الأرض، وانتشار الأوبئة المرضية، يخضع لدراسات مكثفة. ويجزمون بأن القدرة على التحكم في درجة حرارة الأرض من طريق رش جزيئات صغيرة في الستراتوسفير، يُعد حلاً جذاباً إلى حد كبير بسبب تكلفته. وقد قدّر تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) الذي صدر عام 2017، أن الإطلاق المستمر للجزيئات في طبقة الستراتوسفير يمكن أن يعوض 1.5 درجة مئوية من تدهور الحرارة ويخفض التكاليف (خسائر الاحترار والاضطراب المناخي) من مليار إلى 10 مليارات دولار سنوياً.

ولدى مقارنة هذه التكاليف مع الانخفاض العالمي في استخدام الوقود الأحفوري أو عزل الكربون، تصبح هذه الطريقة جذابة للغاية. لذلك يعتقد القائمون على المشروع بضرورة اعتماد العلماء والوكالات الحكومية والممولين المستقلين لهذه التكنولوجيا، موازنة غير مكلفة وفعالة لهذه الطريقة، مع المخاطر المحتملة على المحاصيل العالمية والظروف المناخية والجفاف. فهناك لجنة استشارية من الخبراء المستقلين بدأت بتقييم كل المخاطر المحتملة.

المدن