الكشف عن أتفاق سري بين نظام الأسد وروسيا

سوشال – متابعة

كشفت صحيفة “نوفايا غازيتا” الروسية تفاصيل صفقة سرية عقدها نظام الأسد مع مرتزقة “فاغنر” والتي يقودها “يفغيني بريغوجين” المقرب من الرئيس الروسي والمشهور بـ”طباخ بوتين”.

وأوضحت الصحيفة أن نظام الأسد قرر منح مرتزقة “فاغنر” حق استثمار حقول النفط والغاز السورية الواقعة تحت سيطرتها، مشيرة إلى أن “مجلس الشعب” وافق الشهر الماضي على الاتفاقيات المبرمة مع شركتَيْ “فيلادا” و”ميركوري” الروسيتين المملوكتين لـ”بريغوجين”.

ونصت الاتفاقيات على “تطوير ثلاث كتل من حقول النفط والغاز” تبلغ مساحتها الإجمالية 12 ألف كيلومتر مربع، فيما تبلغ احتياطات الغاز فيها ثلاثة أرباع تريليون متر مكعب بحسب ما نقل موقع نداء سوريا.

وكان “علي غانم” وزير النفط والثروة المعدنية لدى نظام الأسد قد أكد في وقت سابق أن شركة “ميركوري” ستكون مهمتها التنقيب عن البترول وتنميته وإنتاجه في منطقتَيْ “البلوك رقم 19” و”البلوك رقم 7″، مشيراً إلى أن الأخير عبارة عن حقل نفطي يقع في الجزيرة السورية ويمتد على مساحة 9531 كيلومتراً مربعاً.

وأوضح أن العقد المُوَقَّع مع شركة “فيلادا” يهدف للتنقيب عن الغاز في حقل منطقة “البلوك 23” الواقع شمال دمشق، كما أشار إلى أنّه يمتد على مساحة 2159 كيلومتراً مربعاً.

وأشارت الصحيفة إلى أن الشركتين الحائزتين على هذه العقود الضخمة غير معروفتين في السوق النفطية تم تأسيسهما للتهرب من العقوبات الأمريكية والأوروبية.

وأضافت أن شركتَيْ “فيلادا” و”ميركوري” هما اثنتان من “إمبراطورية بريغوجين” في سوريا، موضحة أن الحصة الأكبر من الثروات السورية تعود لشركة “يورو بوليس” والتي تعتبر الغطاء القانوني لمرتزقة “فاغنر”، وأن عائداتها الشهرية قاربت الـ20 مليون دولار شهرياً خلال عام 2018.

وأردفت بأن النظام توصل مع شركة “يورو بوليس” لاتفاق في عام 2017 ينص على شن عمليات عسكرية للسيطرة على حقول النفط والغاز مقابل حصول المرتزقة على ربع الإنتاج.

يُذكر أن ما يسمى “مجلس الشعب” التابع لنظام الأسد صادق منتصف شهر كانون الأول الماضي على عقود شركتَيْ “ميركوري” و”فيلادا” للتنقيب عن النفط في سوريا، سبقها إبرام اتفاقية مع شركة “ستروي ترانس” تنص على استثمارها معمل الأسمدة الوحيد في مدينة حمص وسط سوريا لمدة 40 عاماً، وذلك في إطار التنازلات التي يقدمها النظام لروسيا مقابل دعمه عسكرياً.

اقرأ أيضا: فورين أفيرز: بشار الأسد لم ينتصر وهو أسير لروسيا

نشر موقع “فورين أفيرز” مقالا للزميلة في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لينا خطيب، تحت عنوان “انتصار بشار الأسد الفارغ”، تقول فيه إن النظام السوري لبشار الأسد أصبح في أضعف حالاته.

وتشير خطيب في مقالها، إلى أن “النظام تحمل تسعة أعوام من النزاع الأهلي، ولم يعد السؤال اليوم متعلقا ببقاء النظام أو رحيله، لكنه حول قدرته على توطيد دعائم حكمه قبل إنهاء الحرب التي تجتاح البلاد”.

وتلفت الكاتبة إلى أن “الأسد دخل الحرب على أمل استعادة المناطق التي كانت تحت سيطرته قبل عام 2011، لكن ما حققه من أهداف حتى الآن يبدو متواضعا”.

وترى خطيب أن “هذا لا يجعل أولويات الأسد أقل خطورة، بل ربما العكس، فحتى يظهر للعالم أنه لا يزال يتحكم، ويجب على العالم في هذه الحالة تطبيع العلاقة مع نظامه، فإنه قد يحاول استعادة المناطق التي خسرها كلها، وحتى يحافظ على نظامه فلن يسارع للوفاء باحتياجات شعبه، بل سيبحث عن طرق للنجاة والحفاظ على شبكة الرعاية التي تحولت لشريان حياة له طوال الحرب الأهلية”.

وتقول الكاتبة: “لو استطاع تحقيق هذين الهدفين -استعادة المناطق التي خسرها والنجاة- فإن انتصاره سيكون مجرد رقصة حرب فارغة، وسيكون على رأس دولة فارغة بمؤسسات ضعيفة يستفيد منها المتربحون المستغلون الذين يخضعون للقوى الخارجية”.

وتؤكد خطيب أن “الأسد حقق نجاحات في إطار استعادة المناطق، والمنطقة التي لا تزال في صلب الموضوع هي الشمال، ففي شمال غرب البلاد يسيطر الإسلاميون الذين قاوموا تقدم قوات النظام، أما في شمال شرق البلاد فقد أقام أكراد سوريا منطقة شبه حكم ذاتي، وساهموا في هزيمة تنظيم الدولة عام 2018، وعندما أعلنت الولايات المتحدة في تشرين الأول/ أكتوبر 2019 عن سحب قواتها، توصل الأكراد لاتفاق مع النظام سمح لقواته بالانتشار في المناطق، ويدير الأكراد المناطق الآن بوجود القوات السورية”.

وتنوه الكاتبة إلى أن “النظام السوري يعمل الآن مع روسيا لاستعادة الشمال بشكل كامل، وتحاول روسيا التفاهم مع تركيا لتسحب قواتها من سوريا، مع ضمان ابتعاد قوات سوريا الديمقراطية، التي تعدها تركيا جماعة إرهابية، عن حدودها”.

وتفيد خطيب بأنه “كجزء من هذه الجهود، فإن النظام يقوم بالتفاوض مع الأكراد بشأن التعاون العسكري والسياسي، مع أن الأسد لن يمنح الأكراد الاستقلالية التي تأملوا في الحصول عليها مقابل تعاونهم في قتال تنظيم الدولة، ولو استطاع النظام تأمين المناطق المتنازع عليها فإنه سيكون قادرا على الزعم بأنه استعاد السيطرة على سوريا، وبالتالي سيبدأ في العمل على تطبيع العلاقات مع العالم الخارجي”.

وترى الكاتبة أن “التطبيع يعني منح الأسد ونظامه الشرعية، ما يفتح الطريق أمام رفع العقوبات بشكل يؤدي إلى فتح الباب أمام تدفق الاستثمارات لبدء عمليات إعادة الإعمار، وربما أعلن الأسد عن انتصاره، إلا أنه سيفعل ذلك بصفته لاعبا صغيرا فيه، فمن خلال المتاعب السورية ستبرز روسيا لتصبح أهم لاعب خارجي في البلاد، أما إيران فستؤكد تأثيرها في منطقة الشرق، وفي ضوء هذا الوضع فلن يكون الأسد شريكا بقدر ما هو وكيل، فنجاته تعتمد على دعم هاتين الدولتين الخارجيتين”.

وتشير خطيب إلى أن “سوريا بدأت بمنح كل من إيران وروسيا مميزات اقتصادية وأمنية، مثل العقود الحكومية في قطاع النفط، والسيطرة على القواعد البحرية مقابل الحصول على المساعدة في النزاع، ووسعت روسيا من مصالحها، وضغطت لمنح العقود التجارية للشركات الروسية ووضع الموالين لها في المناصب العسكرية البارزة، ولا تتعامل الولايات المتحدة مع سيطرة روسيا على سوريا بصفتها تهديدا مباشرا لمصالحها، ولهذا لا توجد قيود للحد من قدرة روسيا على فرض نفسها على نظام الأسد”.

وتقول الكاتبة إن “سوريا التي نجت بسبب التدخل الروسي لن يحكمها الأسد بصفتها دولة تتمتع بالسيادة، لكن بصفتها نظاما يعتمد في بقائه على روسيا، وبالتأكيد فإن الأسد لم يكن يتوقع نهاية كهذه للحرب، لكن عليه التعايش معها، وذلك لأن سيطرته على البلاد تم تخفيضها، فالمناطق التي استعادها النظام في الفترة الأخيرة في منطقة شمال شرق البلاد، مثل القامشلي، لا تزال فعليا تحت سيطرة المليشيات الكردية، وهي التي تقوم بحراسة نقاط التفتيش، لكنها رفعت وبضغط من الروس العلم السوري، لتعطي انطباعا بأن هذه النقاط تحت سيطرة الجيش السوري، ويعمل المجندون الجدد، الذين لم يتلقوا تدريبا، في الزراعة للوفاء بمتطلبات المعيشة”.

وتبين خطيب أن “القوى الخارجية لا تعد الطرف الوحيد التي يدين له الأسد بانتصاره، بل هناك قوى داخلية انتعشت أثناء الحرب، فقد اعتمد على قوى من غير الدول ولاعبين مساعدين، من حملة السلاح أو المدنيين؛ من أجل التحايل على العقوبات الدولية في مجال العقود التجارية، والمساعدة في الجهود الحربية، والقيام بمهام الدولة، مثل توفير الخدمات في المناطق التي لا تتوفر فيها للنظام القدرات أو لا يستطيع الوصول إليها، وأثرى هؤلاء اللاعبون أنفسهم من النزاع المستمر، وكبرت طموحاتهم وسلطتهم، بطريقة تغيرت فيها الأدوار، وأصبح النظام تابعا لهم بدلا من اعتمادهم عليه”.

وتفيد الكاتبة بأن “المتنفذين أصبحوا السلطات الفعلية التي تقوم بدور مؤسسات الدولة، لكنها تقوم بالابتزاز، واخترق المتربحون من النظام أجهزة الأمن التابعة للأسد وعلى المستويات كلها، وتحولت بعض المليشيات التي دعمت النظام في النزاع إلى جيوش مستقلة عنه وتمارس طموحاتها الاقتصادية ومصالحها السلطوية، وفي بعض الأحيان فإن هذه المليشيات تحولت إلى جيش من العصابات يقوم بتخويف المدنيين في المناطق الموالية للنظام، ونتيجة لهذا لم تكن الدولة قادرة على توفير المتطلبات المعيشية لمناطقها أو السيطرة على هذه المليشيات”.

ويلفت خطيب إلى أن “قوات النظام لم تكن في بعض الحالات، مثل مسقط رأس الأسد في القرداحة، قادرة على الوصول إلى المناطق التي تسيطر عليها العصابات المسلحة، التي وافقت على تسليم أسلحتها الثقيلة بشرط غض النظام الطرف عن أنشطتها الاقتصادية المشبوهة، والأمر لا يتعلق فقط بالعصابات، بل أيضا بأجهزة الأمن والجيش التابعة للنظام، التي أصبحت تقوم بالأعمال التجارية، وتلاحق نشاطاتها الخاصة في المناطق العاملة فيها بدلا من مصالح الدولة”.

وتؤكد الكاتبة أن “النظام لا يستطيع إرضاء هذه الجماعات من خزينة الدولة، بالإضافة إلى أنه لا يستطيع حرمانها؛ لأن بقاءه يعتمد على دعمها، ولهذا السبب فإن الأسد يائس من رفع العقوبات وعودة الإعمار ليتخلص من شبكات الرعاية والمتربحين، ولمنع هذا فإنه يجب أن يشمل أي عقد إعمار توزيعا عادلا للمال وللشعب السوري بدلا من ذهابه لشبكات المتربحين”.

وتقول خطيب إنه “يمكن لنظام غير الأسد يعيش مرحلة ما بعد الحرب اجتذاب المواطنين وتلبية احتياجاتهم، إلا أن نظام الأسد فعل العكس من خلال معاقبة المواطنين الذين اعتبرهم غير موالين بما فيه الكفاية، وقام بحرمانهم من الخدمة والأمن والحقوق، وفي عام 2018 فرض قانون رقم 10 الذي يجرد السكان من أملاكهم إلا في حال قدموا إثبات الملكية إلى السلطات المحلية وبشكل شخصي، وفرض القانون في البلدات التي استعادها النظام من المعارضين، وسيجد أي شخص نفسه عرضة للتحقيق والسجن عند تقديم إثبات الملكية بنفسه”.

وتختم الكاتبة مقالها بالقول إنه “من خلال إسكات المعارضة واستعادة المناطق يريد الأسد خلق انطباع عودة سوريا إلى وضع ما قبل 2011، لكن نظامه بني على وهم الدولة، وما تبقى لديه من سلطة هو في يد أسياد اللعبة، ولهذا يجب على الدول الغربية التوقف عن التطبيع مع سوريا؛ لأن الأسد هو الخيار الوحيد الموجود، وعليها فهم سوريا من القاع للقمة، بحيث تكون لديها أوراق نفوذ لدعم الشعب السوري، والتأكد من أن المال المستثمر في البلاد لن يذهب إلى النظام أو شبكات التربح المرتبطة به، وفي النهاية فإن الأسد يجلس على عرش هش مكون من ألف قطعة غير متوازنة”.