نحن و”ماكرون” وردّنا عليه.. ومن جرّؤوه علينا.. أسرار تنشر للمرة الأولى

متابعات
نحن و”ماكرون” وردّنا عليه.. ومن جرّؤوه علينا.. أسرار تنشر للمرة الأولى

كثيرة هي القـ.ـضايا التي تستحق التوقف في سياق الحديث عن هذه المعـ.ـركة الأخيرة الدائرة منذ أسبوعين، بيننا وبين الرئيس الفرنسي (ماكرون)، ومن ينطـ.ـقون باسم حكومته.

البداية تأتي من تفكيك المقـ.ـولات التي يستند إليها هذا المأفـ.ـون في المعـ.ـركة الأخيرة، والتي تتخذ من الحرية شعارا لها، خلافا للحقيقة التي يعرفها كل العقلاء، ويكفي أن نسأل عن موقفه من الأديان الأخرى، وبخاصة اليهودية، فضلا عن تجريم التشكيك بأرقام “الهولوكست”، حتى تفتضح الحقيقة.

نفتح قـ.ـوسا هنا كي نشير إلى واقعة مهمة، ففي تشرين أول/ أكتوبر 2018، أقرّت المحـ.ـكمة الأوروبية لحقـ.ـوق الإنسان، بأنّ الإسـ.ـاءة للرسول محمد عليه الصلاة والسلام لا تندرج ضمـ.ـن حرية التعبير.

وجاء القرار دعما لحـ.ـكم صدر في النمسا عام 2009، ضد سيدة نمـ.ـساوية حـ.ـكمت المحاكم الإقليمية بتغريمها 480 يورو، إضافة إلى مصاريف التقاضي بتهمة الإسـ.ـاءة لسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.

وقالت المحكمة، في بيان على موقعها الإلكتروني، إنّ الإدانة الجـ.ـنائية ضد سيدة نمـ.ـساوية أطلقت تصريحات مسـ.ـيئة للرسول محمد وتغريمها 480 يورو “لا يُعد انتهاكا لحقها في حرية التعبير”.

وأضافت: “وجدت المحكمة أن المحاكم المحلية (في النمسا) قامت بتوازن دقيق بين حق المرأة في حرية التعبير وحق الآخرين في حماية مشاعرهم الدينية، والحفاظ على السلام الديـ.ـني في النمسا”.

مع ذلك، فلو كان الأمر متعلقا برسوم نشرتها مجلة ساخرة، لما كانت هذه المعـ.ـركة، بدليل أنها لم تنـ.ـدلع حين نشرت الصحيفة مرتين من قبل، ما يعني أن الأمر يتعلق بموقف الدولة الفرنسية ذاتها، وعنوانها (ماكرون) من الإسلام ومن النبي عليه الصلاة والسلام ومن المسلمين، أكثر من قضية رسوم كاريكاتورية.

لنتذكر أن حديث ماكرون عن الإسلام بوصفه “ديـ.ـنا يعيـ.ـش أزمة في كل أنحاء العالم”، كان سابقا على حـ.ـادثة قطـ.ـع رأ.س المدرس الفرنسي، وهو ما استـ.ـفز العالم الإسلامي برمته، ثم جاء حديثه عن الإرهـ.ـاب الإسلامي ليعزز الاتهـ.ـام لدين بأكمله.

يعلم الجميع أن الشاب الشيـ.ـشاني الذي قتـ.ـل المدرس الفرنسي لم يكن منـ.ـدوبا عن الإسلام والمسلمين، بدليل أن أكثر فـ.ـعالياتهم قد أدانت جريـ.ـمته دون تردد، رغـ.ـم ما فعله المدرس، وهو ما ينطـ.ـبق على هجـ.ـوم “نيس” التالي. وفي كل الأديان هناك فئـ.ـات تأخذ الرد بأيديها، ولا تأبه للآخرين، وهي تسـ.ـيء لدينها بكل تأكيد.

دليلنا على أن كليهما حـ.ـادثة فردية، هو أن كل دعوات “تنظيـ.ـم الدولة” للمسلمين من أجل تنفيذ هجـ.ـمات في الغرب، لم تسفر سوى عن هجـ.ـمات قليلة محدودة، من قبل أكثر من 20 مليون مسلم في دول الغرب.

إن ما فعله كلا الشابين مُدان، وموقف مجموع المسلمين شيء آخر. ثم كيف يمكن مقارنة ردة فعل شاب أو أكثر بردود فعل الدولة الفرنسية ذاتها التي صمتت على قتـ.ـل الشـ.ـرطة لشاب مسلم من أصل (مالي) بطريقة بشـ.ـعة، وعلى تلك العنصـ.ـرية المستفـ.ـحلة في أوساطها ضد أبناء الأقلـ.ـية المسلمة في الضـ.ـواحي والأحزمة الفقيرة؟!

لا شيء يفضح جـ.ـنون ماكرون ومساعديه أكثر من المقارنة مع الدول الغربية الأخرى، والتي يتـ.ـعامل أكثرها بقدر من الحكمـ.ـة مع الجاليات المسلمة، ومـ.ـشاعرها الدينـ.ـية، وإن ساء الأمر بعد حقبة ترامب.

خلاصة هذا الجانب هي أنه لو كانت القضية تتعلق بحرية التعبير، لما استحقت كل هذه الغضـ.ـبة، لكنها ليست كذلك، بل هي استهـ.ـداف للإسلام والمسلمين، بدليل أن أحدا لا يربط العنـ.ـف بالديـ.ـانات إلا في الحـ.ـالة الإسلامية (ماكرون وصف اعتـ.ـداء “نيس” بأنه “اعـ.ـتداء إرهـ.ـابي إسلامي”)، ثم هل يعقل أن يكون الحديث عن اليهـ.ـودية مجـ.ـرّما بوصفه “لاسامية”، فيما استـ.ـهداف الإسلام ورموزه حرية تعبير؟!

الجانب الآخر يتعلق بماكرون نفسه، وما يعـ.ـيشه من أزمة في الداخل في مواجهة صعود اليمين واليمين المتطـ.ـرف، إذ يبدو واضحا أنه قرر استخدام الهجـ.ـمة على الإسلام في سياق الحصول على المزيد من الشعبية.

الجانب الآخر يتعلق بهواجسه الشخصية ذات الأبعاد الاستـ.ـعمارية حيال الحالة العربية والإسلامية برمـ.ـتها، وموقفه من تركيا خير شاهد، إذ يبدو أنه بات يرى في تركيا وجها من وجوه التـ.ـمثيل للإسلام السـ.ـياسي على شاكلة بعض الأنظمة العربية، ويرى أن المعـ.ـركة معه يمكن أن تأخذ جانبا أيديولوجيا أيضا.

هناك جانب يتعلق بدور الصهـ.ـاينة في هذه المعركة، إذ يحضرون بهيـ.ـمنتهم الكبيرة على الإعلام، كما يحـ.ـضرون بتبعية ماكرون الواضحة لهم، ويـ.ـكفي أن نشير هنا إلى دوره نهاية العام الماضي في تمرير قرار برلماني فريد يعتبر العـ.ـداء للصهيونية مرادفا للعـ.ـداء للسامية.

أما الجانب الخاص بنا في هذه المعـ.ـركة، فيتمثل في هذا التواطـ.ـؤ العجيب بين دوائر الثورة المضادة، وبين ماكرون وخطـ.ـابه، حيث برز ذلك التـ.ـناغم العجيب بين الطرفين، وبالطبع لأن أولويات الثورة المـ.ـضادة كانت وما زالت منذ ربيع العرب هي “الإسلام السياسي”،

وباتت مقتنعة بأن حـ.ـربها على الأخير لن تنجح بدون الحـ.ـرب على التديـ.ـن برمته، فكيف حين تزامنت المعـ.ـركة مع ماكرون، مع معـ.ـركتها ضد تركيا، ليس بسبب أوهام “العـ.ـثمانية” التي يتحـ.ـدثون عنها، بل بسـ.ـبب جعلهم أردوغان مرادفا للإسـ.ـلام السياسي ولربيع العرب. وما حملة المقاطعة للبضاع التركية إلا تعبيرا عن هذا الهاجس.

نأتي هنا إلى ردة فعل العالم العربي والإسلامي ضـ.ـد إسـ.ـاءات ماكرون، والتي تجلـ.ـت في حملة المقاطعة للبضائع الفرنسية التي أثارت أعصاب الأخير وحكومته، والتي تنـ.ـدرج في سياق الحرية الشخصية أيضا.

هنا يمكن الحديث عن موقف موجع، وحتى لو لم يكن كذلك، فهو موقف رمزي بكل تأكيد، وله دلالته وأهميته، وقد ألقـ.ـى بظلاله على معسـ.ـكر الثورة المضـ.ـادة الذي رأى فيه شكلا من أشكال الصحوة الشعبية التي سعى إلى دفـ.ـنها طوال الوقت عبر هجـ.ـمته التي لم تتوقف، ودُفـ.ـعت فيها عشرات المليارات إلى الآن.

في المحصلة يمكن القول إن ما جرى كان رائعا بامتياز، ففي حين أثبتت الهجـ.ـمة الفرنسية المعـ.ـجونة بنكهة المستعـ.ـمرين عمق الخوف من صحوة هذه الأمة؛ جاءت ردة الفعل التي تابعناها كي تثبـ.ـت أنها أمّة حـ.ـيّة.

ولا شك أن تزامن ما جرى مع المواقف الشعبية الرافضة لمسلـ.ـسل التطبيع الأخير، وعودة الألق للقـ.ـضية الفلسطينية كقضـ.ـية مركزية للأمة، قد زاد من حـ.ـنق عصابات الصـ.ـهاينة من جهة، ومـ.ـعسكر الثورة المضـ.ـادة الذي يتولّى كبر التطبيع من جهة أخرى.

إنها جميعا معـ.ـركة واحدة لهذه الأمة، بين من يريدون تركيعها وفرض الاستـ.ـسلام عليها، وبين من يريدون إحياءها ودفـ.ـعها نحو أخذ مكانها بين الأمم، وذلك في لحظة تحوّل تاريخي وصـ.ـراع دولي وإقليمي ساخن، سيكون له ما بعده دون شك.

المقال من موقع عربي 21 للكاتب: ياسر الزعاترة
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “عربي21” أو سوشال