حكايا تشيب الرأس عن السحر والشعوذة.. هذا البلد العربي يتصدر الأول عالمياً ويستخدمونه في العثور على الكنوز والدفائن.. ما حكم الإسلام فيهم؟

«إذا شككت أن هناك كنزًا مدفونًا أسفل بيتك، أحضِر شيخًا أو عرّافًا على الفور، للتأكد أولاً قبل الشروع في أعمال الهدم التي ستكلفك بدورها الكثير»…

أسطورة روجها سحرة المغرب حتى باتت منتشرة ويعرفها القاصي والداني ويؤمن بها الكثيرون في أغلب الأقطار العربية. بدأت كحيلة ابتدعها السحرة المغاربة للترويج لشعوذتهم التي نجحت في أن تلقى رواجًا لم يُعرف له مثيل.

«إن من ينصت للمغاربة فلربما اعتقد أن المغرب مستودع عجائبي للكنوز» هكذا وصف عالم الاجتماع «بول باسكول» أساطير المغرب التي تملكت عقول شعبها، ونجح في الترويج لها سحرة ومشعوذون،

وذلك عن كنوز مدفونة وجن يحرسها و«فقها» (وهم أعلى مراتب السحرة) يملكون من الطلاسم والتعاويذ ما يمكنهم من فتح أبواب المغارات وكشف المستور… فإمّا يقوم الجان بإخبار الفقيه بمكان الخبيئة، أو أن يكلف الفقيه الجان بالبحث عن أماكن الرصد ويجمع المعلومات والتفاصيل الكافية عن ذلك الكنز،

ثم يذهب إلى ذلك المكان المحدد ويقوم بـ «تربيعة»فيخط أربعة أسماء من الجن على أربع طوبات من الحجر، وتُكتب نفس الأسماء في حرز يحمله الفقيه، لتكون همزة وصل تربطه بحراس الخزينة.

لم تكن تلك الحيلة هي الوحيدة ولكنها كانت البداية، وما إن تمكن «الفقها» من عقول وقلوب المغاربة، شرعوا في أنواع أخرى من السحر باتت هي الأكثر انتشارًا من غيرها في الآونة الأخيرة؛ كجلب الحبيب، وردّ المطلقة، وزواج العانس، وجلب السارق، واستحضار أرواح شريرة قادرة على قلب حياة المسحور رأسًا على عقب.

السحر المغربي في الروايات والكتب التاريخية
أينما ذُكر السحر ذُكرت المغرب، وكلما أراد عمل فني موضوعه السحر والشعوذة أن يضبط حبكته الدرامية لجأ لدس اسم المغرب داخل الحوار.

ذلك الربط لم يكن وليد عصرنا الحديث، بل قدمته وأكدت عليه مضامين بعض المصنفات التراثية كمقدمة ابن خلدون، وحكايات ألف ليلة وليلة، علاوة على مؤلفات البكري، وابن الحاج التلمساني وغيرها.

فقد سيطر على حكايات ألف ليلة وليلة الشعبية، والتيجُمِعت وتُرجمت إلى العربية خلال العصر الذهبي للإسلام، قصص وحكايات أسطورية عجيبة كان المحرك الرئيسي فيها هم سحرة ومشعوذين مغاربة،

لعل أشهر تلك الحكايات قصة «علاء الدين والمصباح السحري»، التي كانت تدور حول علاء الدين الشاب الفقير يتيم الأب والمعروف بالنباهة والطموح، الذي تمكن ساحر مغربي من خداعه هو ووالدته وإقناعه بأنه عمه وأنه سيساعده كي يصبح تاجرًا ثريًا مقابل أن يساعده علاء الدين في استخراج المصباح السحري من كهف العجائب المليء بالمخاطر.

وفي كتاب مقدمة بن خلدون، تحدث ابن خلدون عن «حاميم المتنبي» في بلاد غمارة المغربية، الذي «كان يُلقّب بالمفتري، وكانت أخته دبّو ساحرة كاهنة، وكانوا يستغيثون بها في الحروب والقحوط».

وعلى الرغم من قتل هذا المتنبي عام 315 هـــــــ، إلا أن ذلك السحر استمر في قومه بمنطقة غمارة إلى عهد ابن خلدون، فيروي بن خلدون في كتابه بصفته معاصرًا لذلك:

أغرب أنواع السحر والسحرة
طيفٌ واسع يزخر به السحر والسحرة في المغرب، كلٌ له طبقته التي يراهن عليها وطريقته التي تميزه عن غيره، بين عرافين وشوافات بسطاء و«فقها» يطيرون ويختفون في غمضة عين وحاخامات يهود، وإسبان ويونانيين وأفارقة وخليجيين، يسيطرون على عوالم سفلية، ويُسخّرون ملوك الجان لخدمتهم وخدمة زبائنهم، فيسكنون الأجساد ويأسرون القلوب ويفرقون بين الأزواج.

1. «الفقها» وسحر التراجيم
عذابٌ عانى منه أب وأم وشقيقتان بشقتهم بالطابق الأرضي في إحدى العمارات المتهالكة بحي العنق بالدار البيضاء لمدة شهر كامل، كان كابوسًا لم تفق منه تلك العائلة. ففجأة بينما كانت الأمور مستتبة،

سمعت الأسرة دوي ارتطام حجارة بالحائط وما إن هرعوا نحوها، إذا بهم يرون الحجارة مشتعلة وتحلق في أرجاء الغرفة وملابس تشتعل بها النيران من دون سبب.عاشت تلك الأسرة أيامًا بين «الفقها» والمعالجين الروحانيين بحثًا عن حل،

وشاع خلال تلك الأيام أن سبب ما هم فيه هو الخلافات التي كانت بينهم مع أحد أقاربهم، الذي أوعز لساحر بأكادير بأن يُسخر جنيًا ليدمر حياة تلك الأسرة.

ما حدث لتلك الأسرة هو سحر «التراجيم»، ذلك السحر هو من أنواع السحر الأسود الذي يقوم به الفقيه، إذ من خلاله يصرف الفقيه قدراته الخاصة في إنزال عقاب بشخص ما أو أسرة عبر تسخير الساحر لجني ليكون خادمًا عنده وذلك لرجم بيت بالحجارة المتقدة والنيران.

يعيش أولئك الفقهاء وهم كبار الشيوخ في السحر المغربي والمتخصصون في السحر الأسود في قرى صغيرة في المغرب مثل «دكالة» و«سوس». ومن الأعمال التي يقومون بها علاوة على التراجيم، المحبة والتي يُرجى من خلالها جلب الحبيب وجذب انتباهه إذا لم يكن يبالي بالرغب، فضلاً عن علاج العقم والأمراض الجنسية، وطرد الجن الملتبس بأجساد الزبائن من الرجال والنساء.

2. الحاخامات اليهود وسحر الكابالا
يتربع الحاخامات اليهود على رأس السلطة الدينية لليهود في المغرب، زبائنهم في الأغلب من ميسوري الحال لكنهم في بعض الأحيان يقومون بأعمال السحر بالمجان بل وقد يمنحون بعض زبائنهم نقودًا تحت شعار أن جُل ما يهمهم «فعل الخير ليس إلا»!

يبرع أولئك الحاخامات اليهود في نوع من أنواع السحر الأسود يسمى بـ «الكبالا»، هذا اللفظ في عقيدة اليهود يمثل كلمة سرية أوحى بها الله إلى النبي موسى الذي أخبر بها أخاه هارون قبل أن تنتشر بين الأحبار اليهود وتصبح مذهبًا فريدًا من أكثر مذاهب السحر الأسود غرابة.

يؤمن أتباع ذلك المذهب بتناسخ الأرواح، وبعض فنون السحر والتنجيم والهرطقة. وتتعلق الكابالا برموز غامضة وباطنية حول طبيعة الله والكون.

ولتعلُم ذلك النوع من السحر، يتطلب الأمر التدرج عبر عشر طبقات؛ من طبقة «إنصوف أور» التي تعني التاج بالعبرية، إلى طبقة الملكوت التي يزعمون بأن الساحر فيها يرتقي من سابع أرض إلى سابع سماء.

ومن أشهر أولئك السحرة، حاخام يهودي يدعى «حاييم أزلغوط»، رجلٌ سبعيني يُعد أشهر السحرة اليهود في العالم بأسره، يأتيه من المغاربة أفواج مسلمون ويهود وأجانب من دول أخرى، للتبرك بما يتمتع به من قدرات خارقة على حد زعمهم.

3. العمانيون وسحر «الفودو»
يعد «الفودو» من أخطر أنواع السحر الأسود في المغرب، يتركز من يعملون به من السحرة في الدار البيضاء وأغلبهم عمانيو الجنسية، يعتمدون في سحرهم على الدمى لاعتقادهم بقدرتها على التأثير في الشخص الذي يرغب الزبون في سحره وإيذائه عن طريقها.

يبدأ ذلك بتحديد الشخص المراد عمل السحر له، ثم يقوم الساحر بالوخز بإبرة حادة في دمية تتسبب على الفور في إصابة الشخص المسحور بآلام فوق الاحتمال.علاوة على ذلك يقتني أولئك السحرة محاليل يسمونها «ماسان»، يعتقدون أنه بتناولها تحدث مشاكل صحية ونفسية للمسحورين. يصل سعر القنينة الواحدة إلى 5 آلاف درهم على أقل تقدير.

اختراق السحر المغربي عالم الإنترنت
بهذا الشكل تعج المواقع والمدونات والمنتديات الإلكترونية، مئات الأسماء من «الشيوخ» و«الشيخات» المغاربة الذين يسوقون لأنفسهم عبر شبكة الإنترنت بشكل بات مبالغًا فيه، الأمر الذي ساهم بدوره في تكريس الصورة المترسخة في أذهان العرب عن ارتباط المغرب الوثيق بالسحر.

إذ يجد السحرة المغاربة في شبكة الإنترنت متسعًا للتسويق لإمكاناتهم الخارقة، فهو بالنسبة لهم سوق حرة نسبيًا، يُسهّل التواصل مع الراغبين في القيام بأعمال السحر أو فكه أو تسخير الجن وكشف الحجاب. كما أن الإنترنت بمثابة شركة خاصة تقدم خدمات السحر المختلفة وتغري الزبناء من داخل المغرب وخارجها للتعامل معهم.

وفي بعض الحالات، من غير الضروري أن تذهب للعراف أو الفقيه في عقر داره، يكفيك مكالمة دولية فقط! فأرقام هواتفهم ينشرونها في مواقعهم الإلكترونية وفق الترقيم الدولي، للتسهيل على الأجانب والعرب من خارج المغرب.

تعتمد العديد من القنوات الفضائية “غير المرخصة” على نوعية من الإعلانات الترويجية من أجل الانتشار وتحقيق الربح، ومن هذه الإعلانات تلك المتعلقة بالسحر وفك الأعمال وجلب الحبيب وغيرها من الأمور التي تروج لها هذه الإعلانات.

وارتبطت أسماء هؤلاء الذين يعلن عنهم بـ “المغرب”، أشهرهم “الشيخة أم خديجة المغربية” ذلك الاسم الذي يتداوله رواد مواقع التواصل الاجتماعي على سبيل الدعابة والسخرية، ولكن ما سر ارتباط السحر بالمغرب؟

تعتبر دولة المغرب من أشهر الدول في العالم التي ينتشر بها السحر، لدرجة أنه لا يوجد بلد يعتمد على السياحة التي تبحث عن هذا النوع من الأعمال إلا المغرب التي يتواجد بها أكبر عدد من السحرة في كافة أنحاء العالم. كما تعد المغرب وجهة أساسية لكل من يريد أن يلتقي بمن يحترف ممارسة السحر أو من يريد التخلص من آثار السحر التي قد يشك انه تأثر ببعضها، ويتواجد بها سحرة من اليهود حيث لهم تواجد بارز أكثر من أي دولة عربية أخرى، إذ لهم أحياء ومناطق ينتشرون فيها وخاصًة الدار البيضاء.

ويطلق على كبار السحرة في المغرب اسم “فقها” بينهم مسلمون وحاخامات يهود ويونانيون وإسبان وأفارقة وخليجيون، وهؤلاء من المشهورين بـ “السحر الأسود” لا يتواجدون في المدن بل يفضلون العيش في قرى صغيرة.

وأظهر تقرير صدر عن المركز الأمريكي “بيو” للأبحاث، أن ما يعادل 86% من المغاربة مقتنعون بـ”وجود الجن” مقابل 78% يؤمنون بـ”السحر” و80% متأكدون من حقيقة “شر العين”، في حين لا تتجاوز النسبة 7% ممن أقروا بارتداء “تعويذات” و16% من مستعملي “وسائل أخرى لطرد شر العين ومفعولات السحر”.

ووفقا لموقع “العربية نت” فإن حوالي 3% منهم متفقون مع ضرورة “تقديم قرابين للتقرب من الجن”، و29% يرون زيارة قبور الأولياء “أمراً مقبولاً”، كما أن 96% من المغاربة “يعلقون آيات قرآنية داخل بيوتهم”، و29% منهم يتناولون “أدوية تقليدية موصى بها دينياً” للعلاج.

وتجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من صعود مؤشرات التدين عند المغاربة حسب التقرير بنسبة بلغت 89%، محتلين بذلك الصدارة وسط شعوب منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، حيث إن البحث كشف أن 67% من المغاربة يؤدون الصلاة بشكل منتظم، 61% يقيمون الصلوات الخمس في أوقاتها، وأعمارهم تتراوح بين 18 و34 سنة، فإن ذلك لم ينعكس – بحسب التقرير الأمريكي – على المؤشرات الأخلاقية والقيمية، ما يعبر عن قصور واضح في السياسات العمومية المتحكمة بالحقل الديني، نظراً لعدم ربطها بمجالات البحث العلمي، ولعدم وجود تنسيق وتعاون بين المؤسسات الخاصة بالمجال الدعوي.

وكشفت “كريمة الودغيري”، الباحثة المغربية في علم الاجتماع أن انتشار الشعوذة بالمجتمع المغربي يعكس سيادة الثقافة التقليدية اللاعقلانية، حيث يتم تفسير كل شيء بالغيب.

وأشارت إلى إنه على الرغم من ارتفاع مؤشرات التدين عند المغاربة، إلا أنها لا تعني تحولاً جوهرياً في بنية المجتمع الثقافية، بل إن بعض الممارسات والعادات القديمة ذات الأبعاد الغيبية ما زالت سائدة بين فئات عريضة من هذا المجتمع، وعزت تلك العادات إلى تفاقم الأزمات وتداخلها، وارتفاع نسبة الفقر والبطالة والأمية بين هذه الفئات مع تنامي حاجاتها، ما يزيد من تعاطيها بعض الممارسات الغيبية لحل مشاكلها.

السحر في الإسلام
حرم الإسلام ممارسة السحر والشعوذة كما حرم الذهاب إلى السحرة والمشعوذين، لان ممارسة السحر لا تنطوي إلا على ضرر بالناس أو عمل حرام، وتتم بالإيحاء والاستحواذ أو الاستعانة بالجن،

وزاد انتشارها بسبب عدة عوامل أهمها البعد عن الدين، وضعف التوكل على الله، والحسد والضغينة، لتأتي الآيات والأحاديث الصريحة التي تحرم السحر والعرافة والكهانة، لحرص الإسلام على سلامة العقيدة.

السحر حقيقة في القرآن الكريم، وقد ذكره رب العالمين حينما أخبرنا عن أممٍ سابقة، وأخطر أوضاعه التي ذكرنا بها القرآن الكريم هي موسى عليه الصلاة والسلام، ولمّا أخبرنا الله تبارك وتعالى قال “فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى”،

أي هذا النبي الرسول عليه الصلاة والسلام أوجس في نفسه لما رأى من ثعابين السحرة، فألقي السحرة ساجدين، قالوا آمنّا برب العالمين، رب موسى وهارون، وهذه الحقيقة التي أشار إليها القرآن تعبّر عن وقتٍ وعن زمنٍ كان فيه السحرة بالآلاف،

فبعث الله موسى عليه الصلاة والسلام بمعجزته أي بالعصا التي أكلت جميع ما صنعوا، بما فعلوا من تلك الأعمال السحريّة التي خوّفت المجتمع وأرهبتهم وجعلتهم كلّهم عبدةً للشياطين وعبدةً لمن يسخّر السحر والدجل وما إلى ذلك، وكان الوحي هو المنتصر، والشريعة هي الحقة، ولهذا انتصر سيّدنا موسى عليه الصلاة والسلام بهذه المعجزة الفذّة.

ولمّا جاء النبيّ عليه الصلاة والسلام، عالج كلّ قضايا المجتمع برمّتها، فجاؤوه وأخبروه عن ماذا كانوا يفعلون في الجاهلية، فروى الإمام مسلم في صحيحه وغيره من الرواة أنه لما جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وقالوا كنا نسترقي في الجاهلية،

فقال أعرضوا عليّ رقاكم، فأعرضوها عليه ، عليه الصلاة والسلام كيف يفعلون، بعضهم يفعل هذه الطريقة والبعض يفعل الطريقة الأخرى، فقال لا بأس ما لم تكن شِركاً، وهنا أقرّ النبي صلّى الله عليه وسلّم العلاج المشروع للسحر والعين والمسّ وغيرها، لكن بشرط أن يوافق الشريعة، وأن يكون الصاحب صاحب همّة عالية ومعرفة راقية في تدبّر هذه الأمور وأن يكون وقافاً عند حدود الله تبارك وتعالى، ولهذا رحم الله.