أنهت رُعـ.ـب المغـ.ـول ووحدت بلاد الشـ.ـام مجدداً.. معـ.ـركة عين جالوت التي أعادت هـ.ـيبة المـ.ـماليك

تعدُّ معـ.ـركة عين جالوت واحدة من أهم المعـ.ـارك الفاصلة في التاريخ الإسـ.ـلامي، ففيها استـ.ـطاع جـ.ـيش المماليك إلحاق أول هـ.ـزيمة عسكـ.ـرية بجيوش إمبراطـ.ـورية المغـ.ـول التي توغّـ.ـلت من أقـ.ـصى شرقي أسيا حتى شمالي آسيا وأوروبا.

معـ.ـركة عين جالوت.. كيف كانت الأجواء قـ.ـبيل المعـ.ـركة الحـ.ـاسمة؟
في القرن الثالث عشر كانت الدولة الممـ.ـلوكية تعيـ.ـش أجواء غير مريحة، إذ شـ.ـبّت صـ.ـراعات داخـ.ـلية كبيرة بين الممـ.ـاليك فيما بينـ.ـهم؛ طمعاً في اعتـ.ـلاء العـ.ـرش، وذلك بـ.ـحسب ما ذكره كتاب تاريخي للمـ.ـؤرخ الليبي علي محمد صلابي “سيف الدين قطـ.ـز ومعـ.ـركة عين جالوت”.

بدأت تلك الصـ.ـراعات عندما قَـ.ـتل المعـ.ـز عزّ الدين أيبك سلطان المماليك في مصر، فارسَ الدين أقـ.ـطاي واستولى على كرسي الحكـ.ـم هناك، تبع ذلك مقـ.ـتل أيبك نفسه في العام 1257 على يد زوجته الثانية شجرة الدرّ؛ بعد أن علِمت أنه تزوج ابنة حـ.ـاكم الموصل.

فسـ.ـارعت زوجته الأولى، والدة طـ.ـفله نور الدين علي بن أيبك، بإلقـ.ـاء القبـ.ـض عليها بمـ.ـساعدة القـ.ـائد سيف الدين قطز وقـ.ـتلها بقباقب جواريها.

تبع ذلك تعيين نور الدين علي بن أيـ.ـبك والياً للمـ.ـماليك على مـ.ـصر، رغم أنه كان يبلغ 15 عاماً فقط، في حين تولى سيف الدين قطـ.ـز الوصـ.ـاية الكاملة على الطفل نور الدين، وأخـ.ـمد كل القـ.ـلاقل والفـ.ـتن التي بدأت فـ.ـور مقـ.ـتل أيبك.

كما تعـ.ـرَّض المماليك لانتـ.ـكاسات كبيرة، تخـ.ـللها احـ.ـتلال المغـ.ـول لكثير من مدن المماليك، لاسيما دمشق وحلب التي اجـ.ـتاحها هـ.ـولاكو في العام 1259، وذلك بعد عام من احـ.ـتلاله بغداد وقـ.ـضائه على الدولة العباسية وقتـ.ـله خليفتها المعتصم بالله.

وتبعها بعد ذلك تعيين هـ.ـولاكو لنائبه كتـ.ـبغا؛ من أجل إكمال الـ.ـفتوحات باتجاه شمالي إفريقيا والوصول إلى مصر، فتمكن كتبغا من السيـ.ـطرة على كل المدن الفلـ.ـسطينية عدا تلك التي كانت تابعة للصـ.ـليبيين.

وكان كتـ.ـبغا نائبَ هـ.ـولاكو وقـ.ـائد جـ.ـيوش المغـ.ـول بعد تكليفه من قِبل هـ.ـولاكو الذي عـ.ـاد إلى منغوليا بعد احـ.ـتلاله دمشق، بسبب وفـ.ـاة شقيـ.ـقه الخـ.ـان الأعظـ.ـم مونكو خـ.ـان.

لم يرَ قطـ.ـز حينـ.ـها أي داعٍ إلى بقـ.ـاء الطـ.ـفل نور الدين على عرش مصر، فقام بعـ.ـزله ونصَّب نفسه على عـ.ـرش مصر؛ لكونه علِم بأن الطـ.ـريقة الوحيدة لإيقاف توغـ.ـل المغـ.ـول هي صـ.ـدُّهم عن أسوار الدولة.

إعداد جـ.ـيش المماليك بمواجـ.ـهة المغـ.ـول
أول شيء فعله قطـ.ـز عندما تسـ.ـلّم العـ.ـرش هو إعداده للجـ.ـيش؛ حيث كان يعلم أن مواجـ.ـهة المغـ.ـول قادمة لا محـ.ـالة.

بدأ بترتيب الأوضـ.ـاع الداخلية في البلاد، فجمع الأمـ.ـراء والقـ.ـادة العسكـ.ـريين والعلماء، وأعلمهم بأن سبب اسـ.ـتيلائه على عـ.ـرش مصر هو الاستـ.ـعداد لغـ.ـزو المغول، وبعد صـ.ـدهم لهم الرأي بتعيـ.ـين من يشاؤون في الحكـ.ـم بدلاً عنه، فأعاد هذا تصـ.ـرفه هذا الهـ.ـدوء إلى مصر.

الخـ.ـطوة التالية التي قام بها هي إصـ.ـداره عفواً عاماً عن جمـ.ـيع قـ.ـوات المماليك البحرية الذين فرّوا إلى بلاد الشام بعد قتـ.ـل أيبك لفـ.ـارس الدين أقطاي.

فكان هذا العفـ.ـو سبباً في عودة جـ.ـيش ضـ.ـخم يملك خـ.ـبرات واسعة في الحـ.ـروب إلى مصـ.ـر، وعلى رأسهم كان الظـ.ـاهر بـ.ـيبرس الذي كـ.ـان على رأس القـ.ـوات التي شاركت فـي معـ.ـركة عين جالوت.

وبذلك عاد جـ.ـيش المماليك إلى التوحد كسابق عهده، وبات جـ.ـاهزاً للدفـ.ـاع عن مصر بوجه المغـ.ـول.

هولاكـ.ـو يبعث برسالته الشـ.ـهيرة إلى قطز
قبيل اند.لاع المعـ.ـركة بأشهر، أرسل هـ.ـولاكو رسالة إلى قطـ.ـز مع أربعة رُسـ.ـل من المغـ.ـول، وحملت رست.ـالته في طيـ.ـاتها تهـ.ـديداً ووعـ.ـيداً للممـ.ـاليك إذا لم يستـ.ـسلموا.

وقال هولاكو كلماته الشهيرة في الرسالة:
“خـ.ـيولنا سوابق وسهـ.ـامنا خـ.ـوارق وسيـ.ـوفنا صـ.ـواعق، وقلـ.ـوبنا كالجـ.ـبال وعددنا كـ.ـالرمال، فالحـ.ـصون لدينا لا تمنع والعسـ.ـاكر لقـ.ـتلنا لا تنـ.ـفع، ودعـ.ـاؤكم علينا لا يُسمع، فإنكم أكلتم الحـ.ـرام، ولا تعفـ.ـون عن الكلام، وخـ.ـنتم العهود والأيمان وفشـ.ـا فيـ.ـكم العقـ.ـوق والعصـ.ـيان، فأبـ.ـشروا بالمذ.لة والهـ.ـوان، وكثيركم عندنا قليل، وعـ.ـزيزكم عـ.ـندنا ذلـ.ـيل، وبغير المذ.ل.ة ما لملـ.ـوككم علينا سـ.ـبيل، فلا تُطيلـ.ـوا الخطـ.ـاب وأسرعوا بردِّ الجـ.ـواب، قبل أن تضـ.ـرم الحـ.ـرب نـ.ـارها، وترمـ.ـي نحـ.ـوكم شَـ.ـرارها”.

كانت رسالة هـ.ـولاكو إعلاناً صريحاً للحـ.ـرب، فعقد قطز اجتماعاً طارئاً مع قـ.ـادته؛ لمناقشة الرد على الرسالة، وعندما رأى أن قـ.ـادته مـ.ـتـ.ـرددون قال لهم مقولته الشهيرة: “أنا ألقـ.ـى المغـ.ـول بنـ.ـفسي، فمن أراد الجـ.ـهاد فليـ.ـرافقني ومن لم يختـ.ـر ذلك فلـ.ـيعد إلى منزله”.

كان لكلمات قـ.ـطز وقـ.ـعٌ في قلوب القـ.ـادة، فقرروا تأييد قرار الحـ.ـرب، ومن بينهم الظـ.ـاهر بيبرس الذي اقـ.ـترح قطـ.ـع ر.ؤوس رُسـ.ـل هـ.ـولاكو الأربعة وتعلـ.ـيقها على باب زويلة في القاهرة.

معاهدة سـ.ـلام مع الصلـ.ـيبيين سمحت لهم بمواجـ.ـهة المغـ.ـول في فلسطين
أثناء التجـ.ـهيز للمعـ.ـركة، رأى قطز أن أفضـ.ـل طـ.ـريقة لمحـ.ـاربة المغـ.ـول هي بانتظارهم خارج مصر، وتحـ.ـديداً في فلسطين ولكن كانت هناك مشـ.ـكلة تواجهه، وهي أن عليـ.ـهم المرور بأراضي الصليبـ.ـيين إذا ما أرادوا تنفيـ.ـذ خطـ.ـتهم.

فسـ.ـارع قـ.ـائد المماليك إلى الصليـ.ـبيين؛ للبحث بشأن الاتفـ.ـاق على معـ.ـاهدة سلام مؤقـ.ـتة تسمح للجـ.ـيش بالمرور من عـ.ـكا وبعض المـ.ـناطق الأخـ.ـرى، وتحييـ.ـد جيـ.ـش الصـ.ـليبيين عن المشـ.ـاركة إلى جانب أي من الطرفين.

تقبَّل الصلـ.ـيبيون الفكرة ووقَّعـ.ـوا الهـ.ـدنة المؤقتة، بحيث تنتهي مع انتـ.ـهاء الحـ.ـرب مع المغـ.ـول، وأي خـ.ـيانة يقوم بها الصليبـ.ـيون فسيتـ.ـرك المماليك حـ.ـربهم مع المغـ.ـول ويتجـ.ـهون لفتـ.ـح عكا، أمّا إذا لم يبدر منهم أي شيء وتمكن المماليك من الانتـ.ـصار على المغـ.ـول فسوف يبيعون الغنـ.ـائم من الخيـ.ـول للصـ.ـليبيين بأسعار زهيدة.

كما تعهد الصليـ.ـبيون بمدّ المسـ.ـلمين بالمـ.ـؤن والطعـ.ـام طيلة فترة وجـ.ـودهم في فلسطين.

اندلاع المعـ.ـركة
في تلك الأثناء وصلت أخبار قطع رؤ.وس الرسل إلى هـ.ـولاكو، الذي أمـ.ـر قـ.ـائده في بلاد الشام كتبـ.ـغا بتسيير جيـ.ـوشه لملاقـ.ـاة الممـ.ـاليك.

فتحـ.ـركت جـ.ـيوش المغـ.ـول التي كانت متمركزة في سـ.ـهل البقــ.ـاع باتجاه فلسطين، وفي الـ3 من سبتمبر/أيلول 1260، وصـ.ـلت تلك الجيـ.ـوش التي يقـ.ـدَّر عددها تقـ.ـريباً بنحو 20 ألفاً، إلى سهـ.ـل عين جـ.ـالوت الواقع بين نابـ.ـلس وبيسان في فلسطين، حيث كانت جيـ.ـوش المسلـ.ـمين بقيـ.ـادة قطز، التي يـ.ـقدَّر عددها أيضاً بنحو 20 ألفاً، تتـ.ـربص بهم خـ.ـلف التلال.

وذلك عدا مقدمة الجـ.ـيش التي كانت بقيـ.ـادة الظـ.ـاهر بيبـ.ـرس، لا تخفي نفسها على أحد التلال، وذلك من أجل خـ.ـداع المغـ.ـول بأن هذه المقـ.ـدمة هي الجيـ.ـش بأكـ.ـمله.

بدأت مقـ.ـدمة الجـ.ـيش بالهجـ.ـوم نحو الجـ.ـيش المغولي، وما إن بدأ القـ.ـتال بينهم حتى بدأت فرقة عسكـ.ـرية أخرى من الجـ.ـيش المملـ.ـوكي تظهر من خـ.ـلف التلال، وانطلـ.ـقت مع انطـ.ـلاقهم أصوات الطـ.ـبول التي كان كل عدد معـ.ـيَّن من ضـ.ـرباتها يشيـ.ـر إلى تعـ.ـليمات محددة، منها ما كان للتقـ.ـدم ومنها ما كان للانسـ.ـحاب ومنها ما كان لتطبـ.ـيق خـ.ـطة معينة.

كانت ضـ.ـربات الطبـ.ـول سبباً أساسياً في تمكُّن قـ.ـطز من الإمسـ.ـاك بزمـ.ـام المعـ.ـركة من على التلال، في حين كان لبيبـ.ـرس الفـ.ـضل في قيـ.ـادة تلك القـ.ـوات في قلب المعـ.ـركة.

ما هي إلا ساعات حتى بدأت أفـ.ـواج جـ.ـيوش الممـ.ـاليك تنـ.ـزل تـ.ـتالياً إلى سـ.ــاحة المعـ.ـركة حتى تمكنوا من الإحـ.ـاطة بجـ.ـيوش المغول.

في تلك الأثناء تمكن قائـ.ـد مسلم يدعى جـ.ـمال الدين آقـ.ـوش الشمـ.ـسي من اختـ.ـراق صفوف المغـ.ـول والوصول إلى كتـ.ـبغا وقـ.ـتله بعد صـ.ـراع بسـ.ـيط دار بينهما، وبذلك انتهـ.ـت المعـ.ـركة بنـ.ـصر سـ.ـاحق للممـ.ـاليك.

ما هي أهمية معركة عين جالوت؟
بسقـ.ـوط المدن الكبرى في بلاد الشاـ.ـم قبل معـ.ـركة عين جـ.ـالوت (دمشق، وحلب، وبغداد) تراءى للناس أن الإسـ.ـلام انتـ.ـهى في بلاد الـشـ.ـام وغربي آسيا عموماً، في حين كان المسيحـ.ـيون بتلك البلاد منتعـ.ـشين لانتـ.ـصارات المغـ.ـول، لاسيما أن كتبـ.ـغا كان مسـ.ـيحياً.

لذلك أصبح المسلـ.ـمون أثناء حكمـ.ـ المغول لأول مرّة في تاريخـ.ـهم، أقلية ضعيفة ومغلـ.ـوبة على أمرها، حتى جاءت معـ.ـركة عين جـ.ـالوت التي غيَّـ.ـرت موازين القـ.ـوى في المنطقة.

فبعـ.ـد الانتـ.ـصار في فلسطـ.ـين أرسل قطز جيـ.ـوشه بقـ.ـيادة الظاهر بيبـ.ـرس لتحـ.ـرير مدن بلاد الشـ.ـام، فحـ.ـرر دمشق وحمص في غضـ.ـون أسابيعَ، وقبل أن يصـ.ـل إلى حلب فـ.ـرَّت جيـ.ـوش المغول دون أي منـ.ـاوشة.

وبذلك أعـ.ـاد قـ.ـطز توحيد بلاد الشـ.ـام ومصر مجدداً، لأول مرة منذ 10 سنوات منذ أن كانت متَّحدة على زمـ.ـن الدولة الأيوبية بقيادة نجم الدين أيوب.
عربي بوست