بوتين يضحي بالأسد.. حكومة جديدة فهل هذا هو رئيسنا

سوشال-متابعة فريق التحرير
يبدو أن روسيا استشعرت فعلياً الخطر المحدق بمصالحها في سورية في حال أبقت على علاقتها مع النظام السوري بشكله الحالي، أو حتى النظام برمته، لا سيما مع سريان تنفيذ “قانون قيصر” الأميركي، الذي بات يحاصر النظام من كل الجهات، ما سيحد من تحركات حلفائه حوله لجهة تأمين مصالحهم في البلاد من خلاله،

ولا سيما الروس، الذين يتطلعون للبقاء في البلاد، محافظين على وجودهم العسكري من خلال القاعدة الجوية في حميميم على الأقل وبقائهم على شواطئ المتوسط في ميناء طرطوس بمواجهة الأساطيل الأميركية داخل البحر، ولا شك للعب دور فاعل في عملية إعادة الإعمار، التي حسم الأميركيون الجدل فيها بشكل قاطع، على أنها لن تتم مع وجود بشار الأسد.

تحركات الدبلوماسية الروسية الأخيرة لا تنفك عن هذه المعطيات، إذ تنشغل الخارجية الروسية بتحريك أذرعها للتواصل مع مكونات سورية مختلفة، معارضة أو محايدة، لاجتراح رؤية جديدة، يمكن زجها في طريق حلٍ سياسي،

بات من الواضح أنه لا بد منه في ظل الإصرار الأميركي والدولي عليه، بهدف تغيير النظام بالوسائل الدبلوماسية والسياسية، أو تغيير سلوكه على الأقل، وهذا لا ينفك عن الرغبة بإزاحة شخصيات هامة داخل بنية النظام، ولا سيما في أعلى هرمه.

العنوان الأبرز لهذه التحركات الروسية كان لقاء ممثل الرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط ونائب وزير الخارجية، ميخائيل بوغدانوف، بالمعارض السوري والرئيس الأسبق للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة معاذ الخطيب،

في العاصمة القطرية الدوحة، ما يعكس توجه الروس في التحاور مع شخصيات معارضة لا تحمل صفة رسمية حالية، ربما بادئ الأمر، في محاولة لاستشفاف المزاج وطرح المقترحات قبل إشراك المستويات الرسمية المعارضة في أي مباحثات أو لقاءات قادمة.

ما تسرب عن لقاء الخطيب هو أن الروس طرحوا عليه رئاسة حكومة وحدة وطنية واسعة الصلاحيات (وليست كاملة)، مع بقاء بشار الأسد في الرئاسة وحق ترشيح نفسه للرئاسة لمرة واحدة فقط،

وتمسكهم ببقاء الأجهزة الأمنية. وهذا الطرح – بحسب التسريبات – رد عليه الخطيب وفريقه الحاضر للقاء من حركة “سورية الأم” التي يقودها الخطيب، بأنهم لم يوافقوا على هذا الطرح بصيغته الحالية، وأن الخطيب قدم ملاحظات وطلبات لتدرس من الجانب الروسي، مع إمكانية الرد والتوضيح عن التفاصيل منه ومن فريقه إن ارتأوا ذلك (الروس).

تلك التسريبات وضعتها “العربي الجديد” أمام معاذ الخطيب والذي أشار إلى أن “نصفها خاطئ”، ما يعني أن النصف الآخر صحيح، مفضلاً عدم الإفصاح عن الجزئيات الصحيحة من الخاطئة في ما ورد، إلا أن الجانب المعلن من لقاء بوغداوف والخطيب وفريقيهما، ولا سيما عبر بياني الخارجية الروسية وحركة “سورية الأم” عن اللقاء،

هو التركيز على المسير بخط التسوية السياسية للأزمة السورية وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي 2254، مع زيادةٍ تضمنها بيان الحركة يتناول “التركيز على تفاصيل إنجاح العملية السياسية، سواء ضمن الأطر الحالية، أو أي أطر أخرى تؤدي إلى تحقيق أهداف القرارات الدولية”، وتلك الأطر الأخيرة قد تقف إلى جانب الرؤية الدولية والغربية للحل، إلا أنها قد تضمن لموسكو بقاء نفوذها ومصالحها في البلاد، من خلال السوريين أنفسهم المشاركين في صياغة الحل، معارضين أو محايدين، أو بين هذا وذلك.

وفي هذا الإطار، لا يمكن تخطي اللقاء الذي جمع البعثة الروسية الدائمة إلى الأمم المتحدة في جنيف بشخصيات من الطائفة العلوية، لم تتم الإشارة إليهم، سواء كانوا من المؤيدين أو المعارضين للنظام،

سوى بوصفهم أنهم “المؤثرين من العلويين في الشتات”، كذلك لم يكشف عن أسمائهم لحمايتهم، بحسب الوثيقة التي خرجت عن اللقاء الذي جرى في 15 من الشهر الجاري وتضمنت توصيفات ومقترحات للواقع الحالي وأفق الحل. وفيما بعد، انتدبت هذه الشخصيات المحامي عيسى إبراهيم للحديث عنها لوسائل الإعلام بعد تسريب أخبار الاجتماع وتفاصيله، بعد أن كان من المقرر أن يبقى سرياً.

تلك التوصيفات، حمّلها ممثلو الطائفة العلوية الحاضرون في اللقاء مظلومية العلويين في احتكارهم من قبل النظام، وتبرير انخراط أعداد كبيرة من أبناء الطائفة في الجيش والأمن، بعزو ذلك لضعف الموارد المالية في مناطقهم وفقدان فرص العمل، وهذا لا تمكن قراءته إلا في سياق الخطاب التصالحي تجاه الآخر،

الذي بدا أكثر وضوحاً ضمن حزمة التوصيات التسع داخل الوثيقة التي قدمتها الشخصيات العلوية لسكرتير البعثة الروسية، وفي مقدمتها الرغبة في اللجوء إلى عقد اجتماعي جديد بين مكونات المجتمع السوري، وتطبيق اللامركزية الإدارية مع تفضيل لبقاء الروس على الإيرانيين في مناطق العلويين، في رسالة لرفض الوجود الإيراني، الذي يضمر له السنّة عداءً أكثر من غيره، أما الرسالة الأكثر وضوحاً للسنّة، خلال المقترحات، فتمثلت بنقد الخطاب الروسي الرافض لدعم رئيس سنيّ للبلاد، بوصفه خطاباً غير متوازن، وذهبوا إلى التشديد على أن النظام لا يمثل الطائفة في مباحثات الحلّ النهائي، وربط مصير الطائفة بمصيره.

هذه المقترحات والتوصيات قابلها سكرتير البعثة الروسية الدائمة في جنيف، باعتراف للميل الروسي نحو النظام، ولا سيما في “مؤتمر الحوار الوطني السوري” الذي دعت إليه موسكو في بداية عام 2018، من حيث التمثيل، والذي كان، شكلاً، محطة سياسية روسية في بلورة حل لصالح النظام، إلا أنه في الواقع كان يهدف لجمع مكونات سورية مختلفة على أساس عرقي وطائفي واجتماعي.

وعلى ذلك، فإن الجهود الروسية باتت تتوزع في مساحات سياسية واجتماعية أكثر من المتوقع منها، في طريق البحث عن صيغة الحل، ولعل موسكو تيقنت أن هذه “الطبخة” السياسية والدبلوماسية لا يمكن أن تتم بمنأى عن وضع يد لأنقرة فيها بنسبة معقولة، إذ تشير المعلومات إلى أن تأجيل زيارة وزيري الخارجية والدفاع الروسيين إلى تركيا،

والتي كانت مقررة في الـ14 من الشهر الحالي، ربما يعود فعلاً إلى عدم توافق بين أنقرة وموسكو على بنود في جدول أعمالها يخص الملف الليبي ضمن المباحثات، إلا أن، من ضمن الأسباب الرئيسية للتأجيل، ترك مجال للزج بالبحث عن صيغة الحل السياسي في سوريا عموماً، ليضاف إلى ملفي التطورات العسكرية في كل من ليبيا وإدلب، لتكون ضمن حزمة واحدة في المباحثات.

وربما يفسر ذلك المعلومات التي حصلت عليها “العربي الجديد” من مصادر في الحكومة التركية، تفيد بزيارة رئيس الوزراء السوري الأسبق والمنشق عن النظام رياض حجاب إلى تركيا، ولقائه بمسؤولين حكوميين أتراك، من دون الإفصاح عن هوية من التقاهم حجاب في زيارته.

المصدر الذي نقل لـ”العربي الجديد” عن زيارة حجاب إلى أنقرة، أشار إلى أن حجاب زار تركيا عديد المرات في الفترة الماضية، كانت آخرها في وقت سابق من الشهر الحالي مع فريق مرافق له، وأن المسؤولين في أنقرة ينطلقون من دور بلادهم الفاعل والمؤثر في الملف السوري،

وبالتالي المساهمة في صياغة الحل، على أن يضمنوا وجود من يمثل ويحافظ على المكتسبات السياسية والأمنية والاقتصادية، وأن أنقرة تدعم العملية السياسية والتوافق على شخصيات من خارج النظام من أصحاب المؤهلات والخبرة والدراية، القادرين على الانخراط في العملية السياسية الجديدة والمرحلة القادمة، حيث تعتبر أنقرة أن رياض حجاب من أهم هذه الشخصيات، وأشار المصدر إلى أن اللقاءات البينية للمسؤولين الأتراك مع حجاب تدخل ضمن هذا الإطار.

ولفت المصدر كذلك إلى أن أنقرة باتت ترى أن الأسد في أيامه الأخيرة بعد تطبيق “قانون قيصر”، ولذلك ستكثف حضورها ضمن التحركات السياسية الأخيرة وما سيتبعها، وهي جادة بالمشاركة في العملية السياسية الجديدة لمرحلة ما بعد الأسد، بالتأكيد على عدم وجوده في أي مرحلة لاحقة، بالإضافة لمحاكمة شخوص النظام كمجرمي حرب، والتشديد على وجوب توافق سوري – دولي على من يقود المرحلة القادمة ممن أثبتوا جدارتهم داخل وخارج سورية، ولم تتلطخ أيديهم بالدماء، وهذا ما بحثه مسؤولها مع حجاب خلال زيارته ولا سيما الأخيرة منها.

وضمن كل هذه المعطيات، يحاول رأس النظام السوري بشار الأسد مساعدة الروس في طرح حلول، ربما غير مباشرة أو متفق عليها، تسهل عليهم مهمة الدفاع عن بقائه ولو بشكل مؤقت في الحكم، من خلال محاولة تقديم حزبه “البعث” إلى الواجهة. هذا الحزب المهمل في المشهد السياسي السوري لصالح تفرد الأسد العسكري وجهازه الأمني في إدارة البلاد.

وكان الأسد قد وجه رسالة لكوادر الحزب، في وقت سابق من هذا الشهر، انتقد فيها “الأخطاء التي أدت لتراجع دور الحزب في بعض المراحل، والإساءة إلى صورته في مراحل أخرى، كما أدت إلى عزوف البعض عن الانخراط في تحمل المسؤوليات الوطنية والحزبية وخسارة العديد من الكوادر الكفؤة”، بحسبه.

ووجه الأسد الحزب، الذي يشغل فيه منصب الأمين العام، إلى إجراء عملية “استئناس” داخلية في الحزب، لاختيار ممثليه ومرشحيه للانتخابات التشريعية القادمة المقررة في 19 من الشهر المقبل، في خطوة تعتبر الأولى من نوعها على مستوى الحزب الحاكم شكلاً للبلاد، منذ وصول حافظ الأسد للسلطة عام 1970. ووصف الأسد عملية “الاستئناس” بأنها “خطوة مهمة في سياق تجديد آليات الممارسة الحزبية”، وأضاف الأسد في كلمته المكتوبة لكوادر الحزب أن “تلك الخطوة ضرورية لتجديد الحزب تنظيمياً وعقائدياً”، وتعتبر “الرد الموضوعي والساطع على من وصفوه بالشمولية والتكلس والانفصال عن روح العصر”، مشيراً إلى أن تجربة الاستئناس تشكل “دليلاً دامغاً على ديناميكية البعث”.

ولا شك أن الأسد، وضمن محاولات التشبث والمراوغة، يسعى إلى إخراج “البعث” من القمقم، في مسعىً للاحتماء به كواجهة سياسية، والهروب من توصيف نظامه لفترة قادمة بالأمني ذي العصبية الطائفية، وهذه ورقة يمكن تقديمها للروس للمساعدة في تثبيته، والمحاججة بهذه الورقة أمام الغرب والولايات المتحدة على وجه الخصوص، التي ألمحت إلى إمكانية القبول بتغيير سلوك النظام، وليس إزالته بالمطلق، إلا أن تفسير هذا الطرح الأميركي يحتمل أوجها عدة، من بينها أن تغيير السلوك لا يمكن إلا بتنحية مؤثرين في بنية النظام، وعلى رأسهم بشار الأسد.

المصدر: القدس العربي