تركيا وروسيا صديقان أم عدوان؟

كتب ياسر عبد الله

موسكو و انقرة عدوان بثوب صديقين فكل منهما يريد اسثمار العلاقة الى اقصى حد دون التورط مع الاخر بتحالف حقيقي. ويحاول البلدان الحفاظ على هذا المستوى الدقيق من العلاقة دون ان يقدم الكثير من التنازلات الحقيقية، فالشق الاقتصادي طاغ على الشق العسكري و السياسي، فتركيا التي تتعرض لابتزاز اوربي و حرب عملات قوي وضاغط بحاجة الى حليف اقتصادي يدعم الاقتصاد التركي الذي يتعرض لهزات قوية حيث عوضت روسيا تركيا النقص في قطاع السياحة والقطاع الزراعي، وهذان القطاعان يشكلان موردا مهما في الاقتصاد التركي ناهيك عن قطاع الغاز والطاقة الواعد.

ولكن روسيا لاتقدم ذلك مجانا. بالمقابل حصلت على تنازلات كبيرة خصوصا في الشأن السوري و التحالف الاقليمي الذي يجعل تركيا مضطرة للتقارب مع ايران بضغط روسي. هذا يقابله تكتيك تركي معقد في ادارة الخلاف مع روسيا خصوصا بقضية اوكرانيا و اليونان، حيث ان تركيا تتعامل مع القضية الاوكرانية بشكل منفرد و تربط تركيا باوكرانيا علاقة وطيدة جدا وصلت الى المساعدة في انشقاق الكنسية المشرقية ومنح الكنسية الكاثوليكية في اوكرانيا صك الاستقلال بموافقة من كنسية القسطنطينية التي مقرها في تركيا و التي اضرت كثيرا برمزية الكنسية الشرقية في موسكو والتي تعتبر نفسها حامية المذهب الكاثولكي في العالم و منح اوكرانيا مكسب هائل بمواجه روسيا. هذا الموقف منح تركيا موقعا متقدما في ادارة الازمة الاوكرانية والتي تمثل صداعا ثقيلا لورسيا.

يجمع تركيا وروسيا علاقة فاترة مع اوربا التي تريد روسيا ان تراه ضعيفا هشا متآكلاً دون ان تخفي روسيا رغبتها بانفراط العقد الاوربي حيث تدعم بقوة كل الاحزاب اليمينية الشعبوية في اوربا املا في محاولة تفكيكيه من الداخل حيث يغلب على الاحزاب اليمينة الشعبوية في اوربا رغبتها في الانعتاق من الاتحاد الاوربي على غرار بريطانيا. و ليس خافيا على احد دعم روسيا للحزب اليمني بزعامة ماري لوبان في فرنسا وحزب الحرية المتطرف بزاعمة شتراخة في النمسا و الدعم الخفي والعني لبقية في الاحزاب في اوربا من اليونان الى ايطاليا.

تركيا ايضا تريد الاستفادة الى الحد الاقصى من حالة التباينات السياسية، فبينما تربطها علاقة جيدة مع المجر بزاعمة اوربان فهي متوترة مع فرنسا وحالة من عدم الوضوح والغموض في المانيا خصوصا مع ازدياد نفوذ البديل الشعبوي في المانيا.

تريد روسيا ان تستفيد الى الحد الاقصى من الدور التركي المتزايد في البلقان لخلق المزيد من الانقسام في الجسد الاوربي، الا انه مايقال في الاتحاد الاوربي يختلف عما يقال في الناتو لان امريكا ترغب في اضعاف الاتحاد الاوربي من طرف و زيادة النفوذ للناتتو من طرف اخر و تبتز اوربا من ناحية اخرى
من واقع التناقض الهائل في المنطقة يجعل اوربا ترغب في بقاء تركيا قوية. لاكثر سببب وهو ان تبقى حارس اوربا من الجهة الشرقية، فوجود تركيا مع الصف الاوربي يقوي موقف اوربا في مواجهة الابتزاز الامريكي المر والبغيض اذ ترغب اوربا في وجود حلف اوربي قوي ان تقوده المانيا مواجهة التسلط الامريكي و الروسي على حد سواء وهذا لايتم بدون وجود تركيا متعافية وقوية في هذا الحلف وتركيا تعي ذلك جيدا وهي تستثمر ذلك استثمارا امثلا لاسيما بقضية التنقيب في البحر المتوسط.

اردت من هذا الشرح البسيط الاشارة الى الطبيعة المعقدة للعلاقات الدوليةالجيوسياسة الي تجعل من بعض الدول حلفاء الا انهم بذات الوقت اقرب لان يكونوا اعداء.

باحث في علم الاجتماع
جامعة النمسا العليا