لماذا ينزعج ضاحي خلفان من أفكار فيصل القاسم ؟!

كتب رياض سويد

المستحيل كما يعتقد أغلب الناس؛ هو ما لا يمكن فعله وفقا للحسابات المنطقية والبشرية، إلا أن ميدان السياسة يعج بالذين يفضلون استخدام تعريفاتهم الخاصة، لكي يحتفظوا بالمساحات اللازمة للحركة و المناورة، ولعل أقرب الأمثلة لتوضيح هذا النمط من التفكير، هو طريقة وصف رئيس الوزراء البريطاني الشهير بنجامين دزرائيلي لنفسه: « بأنه فيما يخص قناعاته الدينية؛ يشبه الصفحة البيضاء التي تفصل العهد القديم عن العهد الجديد». و بوجه عام، فإن أصحاب هذا التصور پرون كل شيء في حركة دائمة، ولا يبدو بالنسبة لهم؛ أن هناك حدا طبيعية تقف عنده جهود الإنسان، و ما لم ينجزه الإنسان إنما هو ما لم يحاول القيام به و هنا تبرز أهمية الإعلام. و وسائل الإعلام ليس موجهة لغسل الدماغ فقط، إذ أن دورها هو إتاحة وصول المعلومات و الحقيقة للناس، و تبادل الرأي و الحوار، و الدفاع عن وجهات النظر من أجل إقناع الأخرين بها،إلا أن أكثر الأجهزة الدعائية التابعة للدول المولعة بإستخدام القوة و أدوات الحرب، تسعى على الأحوال الراسخة والطارئة، للإستفادة من تراث الدول البوليسية السابقة و تطبيق أساليبها التدجينية ، في خطابها الموجه للشعب، حتى تحرك في عقله وذاكرته، آليات الرضوخ والإنقياد، بدلا من حسابات العدالة و المنطق، فيصبح الرأي العام، أو ما يقدم لنا على أنه رأي عام، تحت السيطرة؛ وليس بالقوة التي تفرض في كل الأحوال الإعتدال على التطرف في غابة السياسة. وبما أن الحكم الإستبدادي، نظام يقوم على خوف المواطنين من الحاكم، و لا يحتمل أية سلطات وسطی؛ فإنه يرفض الإقرار لأي معارضة له بأنها تحتمل وجاهة في الرأي أو تنطوي على مبرر مهما يكن، و لا يقبل من رعاياه إلا الطاعة العمياء، معتمدة على القبضة الحديدية للسلطة الحاكمة، و على قسوة الشرطة السرية و تفشيها في كل مرافق الحياة. والخوف هو أقوى أعداء العقل، ومع أن العقل و الخوف جوهريان لحياة الإنسان، إلا أن العلاقة بينهما غير متوازنة. فقد يبدد العقل الخوف أحيانا، لكن الخوف يغلق العقل دوما.

و ضمن هذا السياق، يذكر لنا التاريخ السياسي القريب؛ كيف أن الروتين الطبيعي للحياة السياسية في رومانيا،أثناء عهد الرئيس «نیکولاي تشاوشيسكو»، كان يشبه إلى حد بعيد عالم المسرح، مسرح كبير فيه 20 مليونا من البشر، « وهو العدد التقريبي لسكان البلد في ذلك الوقت و بطل واحد للمسرحية. وعندما كانت الاستعراضات تجري في الاستادات الرياضية؛ كان هناك عدد هائل من الممثلين و مشاهدين قلائل هم أعضاء اللجنة المركزية للحزب، و عند إنتهاء الاستعراض فإن الحال كان يتبدل كلية، فيصبح الجميع هم متفرجين ينظرون الى رجل واحد؛ و هو القائد تشاوشيسكو الذي يخاطب و يحيي الجمهور، لتصقل بعدها جرائد الحزب أي تخص سخيف، و تحوله بفعل الجهاز الإعلامي النشط إلى الزعم بأنه ذروة في الفكر الإنساني و الألمعية و الحكمة.

مع مرور الزمن؛ بدا أن العالم يدخل عصرة جديدة ، فقد أخذت الأمور مسارة عنيفة و سريعة، لكن النظام الرسمي العربي لم يتبدل، فقد استمر في هرطقاته، و قرر أن يبحر بعيدا. فلم تتوقف عملیات ملاحقة المبدعين والمفكرين، فبعضهم أبعد أو شرد؛ و بعضهم قتل أو قطع بالمنشار أو أحرق؛ و بعضهم ألقي بهم في الزنزانات المعتمة؛ و أخرون منعت أو أحرقت كتبهم فقط وبسبب رفض عقلية الطغيان المتحجرة، فإن مثقفة مخلصة لعقله، أمينة في القناعات التي توصل إليها و يريد أن يقنع الناس بها، مثل الدكتور فيصل القاسم»، يعتبر عند أي نظام بوليسي، شخصا غير مرغوب بسماع رأيه؛ طالما أنه إمتلك الشجاعة لكي يستخدم عقله و يعارض الأخطاء و الحماقات التي يرتكبها «الأباطرة»» الجدد، و طالما أنه ينبه إلى مشاريع القوى الأجنبية التي قررت أن تفرض وجودها، و تصوغ المنطقة وفقا لمصالحها
و مشينتها.

على الجانب الآخر، يبرز رئيس شرطة دبي السابق «ضاحي خلفان»، كواحد من أكبر المهاجـ.ـمين و المنتقدين،فما هي حقيقة ذلك التناقض، و ما هي وجوه الإختلاف بين الطرفين، أو بعضها على أقل تقدير؟! من وجهة نظر المتابع لما يجري، يبدو الدكتور القاسم منسجمة مع نفسه، فقد ساند ثورات الشعوب العربية التينادت بالحرية و الكرامة، و اختار في القضية التي تخص بلده، أن يقف مع شعبه و وطنه، فوقف معارضة لنظام إجـ.ـرامي رهيب، و سفاح دمـ.ـوي بغيض، يرتكب جـ.ـرائمه الوحشـ.ـية، و يمزق يومية ببراميل المتفـ.ـجرة أجساد الأطـ.ـفال الغضة إلى أشلاء متناثرة، بعد أن تركه العالم حتى الآن أكثر من 8 سنوات و هو يقوم بفظاعاته ومجـ.ـازره التي يشيب لهولها الولدان، فقتل و شرد الملايين من السوريين، و أدخل جيوش الغزاة الإيرانيين و الروس و تسبب بمجيء قوى عسكرية أخرى؛ إضافة لعشرات الميليشـ.ـيات الإجرامية المذهبية المتطرفة، التي
مارست ضد الشعب السوري أبشع عمليات التنكيل و التهجير الطائفي.

أما في قضية حصار قطر، فقد كان موقفه واضحا، و عبر دائما؛ عما يختلج في صدور أغلبية الناس في العالم العربي من دهشة و رفض لتلك السياسة العدوانية الحمقاء، و عقلية التنمر التي تريد نشر الفوضى والإضطراب. و مهما قيل في وقائعها المحزنة و المشينة، و ما حملته من الآفات العظيمة والبليات العميمة، لا بد من إدراك أن أهم مقاصدها المدمرة كان تكريس سلوك غادر يقوم على أن يحارب و يذل العربي، أخاه العربي و يحاصره و يجوعه، و يعتدي على دمه و عرضه و ماله، حتى تدخل المنطقة العربية كلها في حالة
مرعبة من الضعف و الدمار و الفوضى، فيكون ذلك أكبر خدمة للدول الأجنبية الطامعة بالمنطقة وثرواتها، ولنا في ما يحصل بالمنطقة عبرة، و في ذلك تبصره لمن تبصر وتذكرة لمن أراد أن يتذكر ومع أن تلك القضية المؤلمة؛ برهنت على أننا نعيش في عالم غريب، كل شيء فيه أصبح ممكنة، إلا أنها أثبتت أيضا، حقيقة واضحة كبياض الأبيض و سواد الأسود و هي: أن ثمن الحرية و الكرامة ثمن فادح، و أفدح منه الرضى بالعبودية. و رغم كل ما تقدم، تصر العقلية التي تتبنى دعم و تأييد الثورات المضادة في أنها على صواب، و تزعم أنها
تتصدى للمشروع الإيراني، إلا أن هذا الإدعاء يتناقض مع ما يحصل على أرض الواقع تماما، و الحقيقة أن حرق مئات المليارات من الدولارات على حروب عبثية بدلا من إنفاقها على إنشاء المصانع و المشاريع الإستراتيجية و الجيوش الوطنية القادرة على صنع السلاح، أو بناء أنظمة راقية للتعليم و الصحة و البنية التحتية و توفير فرص العمل، بالإصرار على بقاء أنظمة استبدادية متعفنة، و العمل على قمع الشعوب العربية و منعها من تحقيق آمالها في الحرية و بناء دول حديثة و لها مؤسساتها الداخلية المحترمة، لم يؤد في النهاية
إلا لمزيد من التغول الإيراني و تزاحم القوى الأجنبية الطامعة في نهب ثروات المنطقة.

وفي كل الأحوال، يمتلك أصحاب الرأي الأول في وسائلهم الإعلامية، القدرة على الإستماع للإنتقادات الموجهة لهم، إلا أنه من المستحيل على أي صحفي في أبو ظبي أن يسأل: لماذا يتم دعم الطغاة و السفاحين و الفاسدين في دول الثورات المضادة، أو يسأل: عن حجم تبييض الأموال و البنوك المسؤولة عنها ! إلا أن يكون صحفية يريد أن ينام في القبر، أو يحب طعام السجن.