مؤامرة كبرى متعددة الأطراف على تركيا عقاباً لها على نهضتها..والخطر يحدق بها من كل الجهات

كتب الدكتور أحمد الهواس

هل اقتربت الحرب من تركيا ؟

لم يكن تحذير وزير الدفاع الأمريكي مايك إسبر لتركيا بأن أي عملية شرق الفرات أُحادية الجانب غير مقبولة ، لم يكن مفاجئًا للقادة الأتراك ، ولا للعارفين بخبايا العلاقة بين واشنطن أنقرة لا سيما منذ 2013 ، وإن برر بعض المراقبين استغرابهم لهذا التحذير الذي جاء بعد يوم واحد من نشر صحيفة واشنطن بوست مقالاً قالت فيه :إن الإدارة الأمريكية ليس لديها الرغبة في الدفاع عن حزب العمال الكردستاني والمجموعات المرتبطة به ، وهو ما فُسّر على أنّه موافقة أمريكية على تحرك القوات التركية لاجتياح مناطق “قسد” في سورية .

من ينظر إلى صناعة قسد ، والأطراف الداعمة لها بشكل علني : الولايات المتحدة ، إسرائيل ، فرنسا ، الإمارات ، السعودية ، ودول أخرى ربما تبدو داعمة بشكل سرّي ومنها دول أوربية فضلاً عن الوعاء الفكري للعمود الفقري المشكّل لها “البككا” وهو تنظيم يساري “شيوعي محسوب على السوفييت” تاريخيًا ، فضلاً عن علاقته العضوية مع النظام السوري ، وتدريب عناصره سابقًا على يد مقاتلي حزب الله في البقاع اللبناني ما أدّى لأزمة كبيرة بين دمشق أنقرة في 1997 هددت فيها انقرة باجتياح سورية ، وانتهت بتوقيع اتفاقية أضنة التي تخلّى فيها النظام السوري عن لواء أسكندرون ومنح تركيا حق التدخل المباشر في مساحة جغرافيا تتراوح بين 5 و20 كلم لملاحقة عناصر “البككا ” في حال تعرض الأمن القومي التركي لأي خطر سببه نشاط هذا الحزب المصنّف إرهابيًا مع طرد قادته من سورية وعلى رأسهم اوجلان وإغلاق معسكرات البقاع في لبنان .

ولعل أي مهتم بالشأن التركي يستطيع أن يصل إلى أن مشروع “قسد” ضم كل من ذكرنا من داعمي البككا التقليديين “روسيا ، النظام السوري ، إيران من خلال حزب الله” فضلاً عن دخول أطراف جديدة لها مصلحة بتدمير التجربة التركية او إنهاء الحكم فيها وإعادتها دولةً وظيفية في حلف شمال الأطلسي ، وهذه الأطراف الجديدة التي ذكرناها في الدولة الداعمة بشكل علني لقسد .
تبدو مشكلة تركيا الحالية مع أمريكا تكمن في أمرين مهمين :

الأول : رغبة الحكم التركي الحالي بالانتقال بتركيا إلى مصاف الدول ذات السيادة ، ومن ثمة لدولة كبرى في العالم ، وهذا ينهي دورها التقليدي كدولة وظيفية دعمها الغرب في مواجهة الاتحاد السوفياتي .

الثاني : تحول تركيا لنموذج إسلامي ، ومن ثم قاطرة لقيادته من جديد وإن كان بشكل يختلف عمّا كانت قيادتها لست مئة عام من خلال الإمبراطورية العثمانية ، فهذه القيادة الجديدة ربما عبّر عنها رئيس وزراء ماليزيا مهاتير محمد بدعوة الشباب الماليزي للتعلم من التجربة التركية ، ودعوته لتشكيل حلف ثلاثي من تركيا باكستان ماليزيا لتشكيل نهضة إسلامية ، ولعل هذا يفسّر تحرّك الهند تجاه إلغاء الحكم الذاتي لكشمير وربما يؤدي هذا لافتعال أزمة كبيرة بين البلدين النوويين ، متزامنًا ذلك مع تصريح وزير الدفاع الأمريكي آنف الذكر !

الحقيقة التي يفرّ منها كثيرون أن الحرب التي تقرع طبولها في المنطقة ليست بين إيران وأمريكا كما يُشاع إعلاميًا بل بين الحلف المذكور “المتنافر” وبين تركيا ، فقد فشلت كل مشاريع تحطيم التجربة التركية ، وبقي الحل الأخير وذلك بزج تركيا في معركة شمال سورية مستندة على حقها في حماية أمنها القومي ، وعلى بنود اتفاقية أضنة ، وربما أن قراءة القادم يكون في سيناريوين :

الأول : أن يُسمح لتركيا باجتياح مناطق قسد ، وهذا يتم بتفاهمات مع أمريكا وروسيا والاتحاد الأوربي ، حيث تنتهي تلك البقعة لكي تكون منطقة إسكان للاجئين السوريين ويتولى الاتحاد الأوربي بناءها ، ويعمد فيها لإنشاء مجلس محلي من المكونات المختلفة لإدارتها ، ومن ثم تبدأ مرحلة حل سياسي بأن تتخلى تركيا عن فكرة إسقاط بشار الأسد إلى “موافقة” على انتخابات تجري تحت رعاية الأمم المتحدة يشارك بها بشار الأسد ، وهذه الترتيبات ستشمل “حل “هيئة تحرير الشام أو مقاتلتها إن اقتضت الضرورة مقابل إنهاء مشروع قسد ، وضمان دخول تركيا لتلك المناطق بمباركة دولية دون أن يقودها ذلك إلى حالة الغزو .

الثاني : أن تذهب تركيا منفردة لمقاتلة قسد ، وعندها يسارع برلمان النظام لإلغاء اتفاقية أضنة ، وإحالة الملف لمجلس الأمن بوصف تركيا بلدًا غازيًا لأراضي دولة ذات سيادة ! وكل ذلك سيتم بتنسيق مع تلك الأطراف ولاسيما الدول العربية المعادية لتركيا ، وهذا قد يضع تركيا على الفصل السابع والجيوش العربية الوظيفية جاهزة لمقاتلة تركيا بدعم وإسناد أمريكي روسي .