لماذا استأنفت إسرائيل غاراتها العلنية في سوريا؟

سوشال

استأنفت إسرائيل الخميس قبل الماضي غاراتها العلنية ضد أهداف لإيران وميليشياتها في سوريا لأول مرّة منذ حادثة إسقاط طائرة التجسّس الروسية بالمضادات الأرضية للنظام قرب اللاذقية فى شهر أيلول/ سبتمبر الماضي.

للدقّة والحقيقة فإن غارات الاحتلال الإسرائيلي ضد الاحتلال الإيراني وميليشياته لم تتوقف نهائياً، كما قال رئيس الوزراء نتنياهو ومسؤولون إسرائيليون آخرون في عدة مناسبات، ولكنها أخذت طابع التكتم والحذر، كما كان الأمر في البدايات الأولى منذ سنوات، وغارات الأسبوع الماضي التى لم تنكرها تل أبيب بل حرصت على إعلانها مع تسريب قائمة الأهداف التي تم قصفها في العاصمة دمشق، ومحيطها وتحديداً في المنطقة الجنوبية منها.

خلال الثلاثة شهور الماضية نفذت إسرائيل إذن غارات دون صخب أو إعلان، وهذا عائد إلى الرغبة في عدم إغضاب أو بالأحرى عدم إحراج روسيا – القوة القائمة بالاحتلال – خاصة مع عدم قيامها بتفعيل منظومة إس 300 أو تسليم مسؤولية إدارتها للنظام، رغم الصخب السياسي الذي رافق الإعلان عن الخطوة وكنا قد كتبنا هنا مراراً أنها سياسية إعلامية أكثر منها عسكرية أو استراتيجية.

خلال الثلاثة شهور الماضية نفذت إسرائيل إذن غارات دون صخب أو إعلان، وهذا عائد إلى الرغبة في عدم إغضاب أو بالأحرى عدم إحراج روسيا

غير أن قلة الغارات الإسرائيلية خلال الشهور الماضية تعود أساساً إلى الضغوط الروسية على طهران لمنعها من نقل أسلحة نوعية إلى حزب الله في لبنان عن طريق سوريا، أو أخذ تموضعها إلى الجانب الاستراتيجي بمعنى إقامة  قواعد دائمة، أو نشر منظومات متقدمة للدفاع الجوي أو صواريخ طويلة المدى.

هنا، يطرح السؤال عن أسباب وخلفيات الغارة الأخيرة وعلاقتها بالتفاهمات والخطوات الروسية لمنع صدام أو صراع إسرائيلي إيراني تخشى موسكو من أن يطيح بما تعتبره إنجازها الأهم المتمثل بالحفاظ على النظام وتوهم منعه من السقوط.

نظرة على الأهداف التي تم قصفها قد تعطينها فكرة عن إجابة السؤال السابق. فالغارات تركزت تقريباً في المنطقة الجنوبية للعاصمة القريبة من الحدود مع فلسطين المحتلة المفترض أن إيران انسحبت منها تحت ضغط روسيا لإرضاء تل أبيب، والحفاظ على أمنها، ومن الواضح أن الأمر لم يكن تاماً أو أن الميليشيات الطائفية تخفّت ضمن قوات وقواعد النظام كما زعم الاحتلال الإسرائيلي أكثر من مرة.

سعت تل أبيب بالتأكيد عبر الغارات الأخيرة – إلى دق إسفين بين طهران وموسكو، تأجيج الخلافات بينهما مع الإعلان أنها استمرت أكثر من ساعة – سبعين دقيقة تقريباً – واستهدفت شحنات أسلحة نقلتها طائرات إيرانية إلى العاصمة السورية المحتلة، وتم نقلها إلى قواعد للنظام والميليشيات في المنطقة الجنوبية على طريق إيصالها إلى حزب الله في لبنان، ما يعني من جهة أن إيران لم تلتزم  بتعهداتها وفق الخطوط الحمر الروسية، كما أن الأمر يمثل بالتأكيد انتهاكا للقرارات الأممية ضدها ومنعها من تصدير السلاح، و فى السياق اللبناني انتهاكاً للقرار 1701 الذي تقول الدولة اللبنانية أنها ملتزمة به ومازالت مواظبة على عقد الاجتماعات الثنائية العسكرية مع الإسرائيلية برعاية الأمم المتحدة وقواتها اليونفيل في مدينة الناقورة اللبنانية الحدودية.

ثمة هدف إسرائيلي آخر ربما هو الأساس والمركزي يتعلق بتركيز الأضواء على لبنان بعد تخفيف إيران لتموضعها الاستراتيجي في سوريا، ومحاولتها لنقل العتاد الثقيل والنوعي حتى إقامة مصانع لصواريخ دقيقة طويلة المدى في لبنان، بمعنى أنها تنقل التموضع الاستراتيجي من سوريا إلى لبنان، حتى إلى العراق هرباً من الغارات الإسرائيلية.

في السياق اللبناني كانت تل أبيب قد بدأت الحملة المركزة من خلال تحركات سياسية وديبلوماسية ونقل رسائل للحكومة في بيروت عبر فرنسا أولاً، ثم كان لقاء المفاجئ درامي وعاجل بين رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، والذى تصرف فيه نتنياهو كوزير دفاع مع وفد عسكري أمني بالكامل، العنوان أو المضمون فى الحالة الأمريكية كما الفرنسية تمثل بنقل تحذير من تحويل لبنان إلى ترسانة أو مستودع للأسلحة الإيرانية، وأن إسرائيل ستقوم ، بمنع ذلك التموضع الاستراتيجي تماماً كما فعلت في سوريا.

ثمة هدف إسرائيلي آخر ربما هو الأساس والمركزي يتعلق بتركيز الأضواء على لبنان بعد تخفيف إيران لتموضعها الاستراتيجي في سوريا

وعلى بعد أيام من الغارة العلنية في سوريا التي كانت  بمثابة تمهيد لتحويل الأنظار إلى لبنان، قامت إسرائيل على نحو مفاجئ بحملة على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة مع لبنان سمتها “درع الشمال” للكشف عن أنفاق حفرها حزب الله إلى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، ما اعتبر انتهاكاً لقرار الأمم المتحدة، وسيادة الدولة اللبنانية وهيبتها، كما دليل على استخدام الحزب ولبنان في سياق سعي طهران للمقايضة، وتحقيق مكاسب سياسية، وحتى اقتصادية في خلافها المستجد مع الإدارة الأميركية الجديدة التي تنصلت من سياسات أوباما الكارثية تجاه إيران والمنطقة بشكل عام، طبعاً دون بلورة أو صياغة سياسة أخرى أكثر نجاعة واقعية.

في كل الأحوال تتصرف تل أببب وكأنها حققت هدفها مبدئياً، عبر منع إيران من التموضع في سوريا – هي لم تمانع لحظة طبعاً بقاء النظام و قتال إيران وميليشياتها إلى جانبه -و ستسعى الآن لاستغلال العنجهية الإيرانية وتبعية حزب الله الكاملة لتسليط الأضواء على لبنان وتكثيف الضغوط عليه، وربما حتى الذهاب إلى حرب جديدة ضده قد لا يريدها الحزب المنشغل بالهيمنة الداخلية والدفاع عن وئام وهاب وبشار الأسد، لكن قد لا يمانعها نتنياهو نفسه للفت الانتباه عن اتهامات الشرطة ضده، كما لتحقيق مكاسب سياسية على أعتاب انتخابات تبدو حتمية ومسألة وقت فقط أوائل أو نهاية الربيع القادم.

كما دائماً لا بد من التأكيد على أحقية ومشروعية مواجهة مقاومة الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين وسوريا، والاحتلال الإيراني في سوريا لبنان العراق واليمن – الدول المحتلة حسب إقرار علي يونسي مستشار الرئيس حسن روحاني – مع الانتباه إلى أن ما يفعله حزب الله لا علاقة له بالمقاومة التى انتهت على علاّتها صيف عام 2000، وما نحن بصدده، هو مشروع للعسكرة الهيمنة الذي كسر التوازنات الداخلية وقتل روح الدستور وميثاق الطائف وأوصل لبنان الصغير والجميل إلى حافة الهاوية على كل المستويات السياسية الاقتصادية الاجتماعية والأمنية، كما يجري استغلاله في سياق المقايضة الإيرانية مع إسرائيل وأمريكا لتحقيق مكاسب لطهران على حساب الدم العربي المسفوح في المدن والحواضر المحتلة، وببساطة قبل ذلك وبعده من دمّر حلب والموصل وساعد، بل استجدى احتلال بغداد والشام لا يمكنه تحرير أو حتى الزعم بسعيه لتحرير فلسطين.

المصدر: موقع تلفزيون سوريا: خالد عزام