سوريا الأسد: الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود

مقال فيصل القاسم

حكى لي صديق سوري على الخاص بأنه يملك سيارة ثمنها عشرون مليون ليرة سورية ولكن لا يستطيع استعمالها، بسبب فقدان مادة البنزين، وها هي مركونة كالجيـ.ـفة النا فقة والخردة التالفة أمام المنزل وكل مشاويره يأخذها «كعـّابي» (على كعبيه)، وقال لي شخص آخر بأنه قضى عمره بالغربة، وقد جمع ثروة لا بأس بها، كي ينعم ويتمتع بها في آخر أيامه مع عائلته، لكن جرة الغاز باتت بحسرته رغم الأموال التي يملكها وتلك «المشلوحة»، على حد تعبيره بالبنك والتي لا يستطيع أن يتنعم بها بأي شيء فالبلد شبه منها ر، لا مطاعم، ولا حا نات، ولا أماكن ترفيه، ولا مجال لاستثمار وتنمية رأس المال بوجود الما فيات والحيتان الكبيرة ولصو ص المال العام ولوبيات النهب والفسا د والتجويع والقـ.ـهر والأجهزة الأمنية، وما أدراكم ما دهاليز الموافقات الأمنية فإن كان لك قريب من الجد التاسع عشر من المشتبه بولائهم فهذا يعني حكماً عليك بالموت في سوريا الأسد والقصص المأ ساوية عن هذا الوضع لا تعد ولا تحصى بحيث أنه وكما رأينا بالتسريبات أن هناك 15 مليون سوري مطلوب للأجهزة الأمنية التي تذل المواطن وتطارده بـ»الموافقة الأمنية» حتى لو أراد المواطن شراء فرشاة أسنان، وهذه ليست مبالغة وهناك قصة مثيرة عن الموضوع سأرويها في مقال قادم.

ويبدو، والحال، ومن الواضح تماماً، أن معظم المسؤولين السوريين قد تحولوا إلى كراكوزات ومهرجين حقيقيين من خلال تلك التصريحات التي يطلقونها على الطالعة والنازلة، والتي يبدو أنهم لم يعودوا يمتلكون غيرها اليوم بعدما أفلسوا، تماماً، وأفلسوا ونهبوا البلد معهم، وأفرغوا خزائنه من آخر قرش وباتت-الخزائن- خاوية على عروشها وتصفر فيها الرياح الصفراء وصارت في بنوك سويسرا محجوزا عليها من قبل المحاكم الدولية وتزين أو تتربع على أوراق بنما وفضا ئح لصو ص المال العام الدوليين الكبار، وبعدما أن عزّ وفقد كل شيء في سوريا، وصار سلعة نادرة من الصعب جداً على المواطن العادي، وصارت هذه التصريحات، وبكل صدف لدغدغة الحزانى والأرامل واليتامى والثكالى والمكلومين والمجرو حين من سياسات القـ.ـهر والإفقار لإضحاك الجمهور بعدما مل الناس من مسلسلات «غوار الطوشة» ومسرحياته الهزلية وقفشاته الكاريكاتيرية، وبعدما انحصر تخصصه في «أدب الصرامي» والغرام والهيام بها وصار لقبه فنان «الصرامي»، فتولى المسؤول السوري الخنفشاري الغوغائي «البعصـ.ـي» المهرج مهمة إضحاك الناس بتصريحاته الفارغة الجوفاء، ولو تتبعنا خط سير تلكم التصريحات المضحكة والمقر فة والمسببة للغثيا ن، فإننا سنقف عند «أدب» كامل اسمه «فنون الإضحاك في تصريحات أبو حناك»، قد نعود إليه في مقال مستقل في قادم الأيام.

ومن أشهر تلك التصريحات اليوم، والتي تؤكد بالمطلق أن المسؤول السوري وناهيك عن كونه مفصوماً بالأصل، فهو مفصول عن الواقع ويعيش في عالم وحدانية وأبراج عاجية لا يرى فيها الناس ولا يـُرى فيها من قبل أي إنسان وبات كالمجـ.ـنون الذي يتحدث بالمرآة لنفسه ومع نفسه ومن أجل إرضاء نفسه، هي التي أطلقها المهرج علي عبد الكريم سفير نظام المما تعة والمضا جعة في لبنان الذي دعا السوريين للعودة لسوريا لقطف ثمار الانتصار على حد تعبيره في واحد من أغرب التصريحات والقفشات التي يمكن أن تخطر على مخرجي المسرحيات الكوميدية والكاميرا الخفية وكبار الممثلين الكوميديين كلوريل وهاردي وشارلي شابلن أو عادل إمام وسمير غانم وسواهم.

ولا ندري ما الذي سيجعل السوري يترك بلاد الله الواسعة التي منحته الأمن والكرامة والتعويض المحترم والطعام والشراب والأمان والرفاهية والضمان الاجتماعي والتعليم والتأمين له ولأطفاله والسكن ووو وأهمها الحرية والتحرر من القـ.ـهر والإ ذلال والمطاردة الأمنية وتغو ل الما فيات ليعود للقفص ولجحر المافيات وللسجن الكبير والفقر والجوع والخر اب والقلة والبؤس والفو ضى وانعدام القانون والدما ر والخو ف والر عب وانعدام الأمن والأمان ومراجعة الأفرع الأمنية يومياً ولأتفه الأسباب وانعدام أي قسط من الرفاهية والانتظار بالطوابير الطويلة على الخبز والبنزين والمازوت ومواقف الباصات والعيش تحت رحمة عصا بات وما فيات لا ترحم ولا تبقي ولا تذر وأتت على الأخضر واليابس في البلد ولم تترك حتى الفتات للناس ليقتاتوا بها في زمن الفقر والمجاعات…

وفي ظل واحدة من أكبر الكوا رث الإنسانية على مر التاريخ، ووجود حوالي الخمسة عشر مليوناً بين مهجـّر ولاجئ ونازح وهارب وفار ومحكوم وسجين ومفقود وطريد، هل لهذا المسؤول، أو ذاك، أن يفيدنا مشكوراً ويجيبنا على أبسط هذه التساؤلات، ومن قلب كليم جر يح، لماذا علينا أن نعود لهذه البلاد يا «رفيق»؟

بنو لبوة لكم بالمرصاد: للراغبين بالعودة لحضن العصابة. فقط تابعوا كيف تكافئ العصا بة جمهور الشبيحة والمؤيدين الذين وقفوا مع العصا بة طيلة الأزمة وقدموا لها الدم وخيرة شباب الطائفة وكيف تنتـ.ـقم العصابة منهم وتذلهم بطوابير الغاز والمازوت والخبز والبنزين والسيارات التي تمتد لكيلومترات وتنتظر أياما للحصول على ليترات بسيطة من البنزين وتحرم عنهم أبسط مقومات الحياة في مناطق سيطرة عصا بة بني لبوة وتطاردهم وتزجهم بالسجون وتستوقفهم بالشوارع وتجرهم للخدمة العسكرية كالأسرى والمعتـ.ـقلين فيما يعيش أفراد العصا بة ورموزها وكلا بها ولصو صها ومافيا تها حياة السلاطين واللوردات والأمراء وينفقون ملايين الليرات شهريا فيما الشعب البسيط وخاصة في مناطق سيطرة العصا بة يعيش بأسوأ الأحوال …
فكروا بهذه الأوضاع المهو لة والمر عبة والظروف التي لم يعرف العالم لها مثيلاً ثم بعد ذلك اتخذوا قراراتكم الوطنية الشجاعة والبطولية بالعودة لحضـ.ـن العصا بة الأسدية.

٭ كاتب واعلامي سوري
[email protected]

المصدر: القدس العربي