كيف سقط بن لادن بالفخ الأمريكي؟

سوشال

مثل التحالف الإسلامي الأمريكي في أفغانستان ضد الغزو السوفيتي في الثمانينيات، أولى الاحتكاكات المباشرة بين الغرب والحركات الجهادية الإسلامية، حيث نجحت الإستراتيجية الأمريكية في إشعال جذوة العمل الجهادي في صفوف التيار الإسلامي في البلاد الإسلامية، كما دعمت الحكومات العربية والإسلامية في مصر والسعودية وباكستان صعود الحركة الإسلامية، والتي عملت على جمع التبرعات وإرسال المجاهدين إلى أفغانستان لدحر السوفييت الملحدين.

وبعد انتهاء الغزو السوفيتي وتفكك الإتحاد السوفيتي، قامت أمريكا عن طريق وكلائها في البلاد العربية، بتصفية الجهاديين وإعلان الحرب على الجماعات الإسلامية بعد انتهاء دورهم المرسوم لهم خشية من تهديدهم مستقبليا، وحاول الجهاديون ضرب الأنظمة العربية عن طريق تفجيرات استهدفت قوات الأمن والسياح الأجانب بدون جدوي، وبعد فشل الجهاديون في هزيمة الأنظمة الوظيفية المحلية قرروا تغيير إستراتيجيتهم في هزيمة العدو الداخلي وقرروا محاربة داعمو تلك الأنظمة، عن طريق ضرب مصالح الغرب في أسيا الوسطي، وقاموا بالتجمع مرة أخري في أفغانستان وإنشاء ما يسمي بتنظيم قاعدة الجهاد، بعدما تحالف أسامة بن لادن مع أيمن الظواهري في عام 1998.

طالبان والمصالح الأمريكية
كانت أمريكا مهتمة بتبعية الحكومة الأفغانية لها بسبب وجود مشروع لنقل غاز وسط أسيا إلى باكستان والهند، لتوفير مصدر طاقة لأهم حلفائهم في أسيا، ومنع إيران من تمديد أنبوب غاز إلى باكستان والهند، حيث يؤدي ربط باكستان والهند بخط غاز واحد لربط مصالحهم في قطاع الطاقة بإيران ومن ثم زيادة نفوذها السياسي.

خططت إيران عام 1996 لتميد خط غاز إلى باكستان والهند، صاحبتا ثاني أكبر كتلة سكانية في أسيا بعد الصين
لذلك دعمت أمريكا عام 1996حكومة طالبان في حربهم ضد تحالف الشمال المدعوم من روسيا والتي استحوذت فيها على معظم مساحة أفغانستان، وقامت باكستان والسعودية والإمارات بالاعتراف بحكومة طلبان نيابة عن أمريكا، كما تم التوافق بين طالبان وشركة يونيكال الأمريكية لتمرير أنبوب غاز من تركمنستان للهند عبر أفغانستان بطول 1730 كيلومتر، بعد قيام وفد من طالبان بزيارة مدينة هيوستن الأمريكية في ديسمبر 1997.

تحالف طالبان والقاعدة
إلا أن استقبال حركة طالبان لتنظيم القاعدة ورفضه لطرد قياداته بعد الهجمات على السفارة الأمريكية في كل من نيروبي ودار السلام عام 1998، قد بعث برسالة سياسية لأمريكا عن تحول طالبان لخصم سياسي داعم للقاعدة، الأمر الذي أدى لتوقف مشروع نقل الغاز عبر أفغانستان، كما وضح لاحقا الدعم الروسي والإيراني لتنظيم القاعدة، بعد تصريحات عميل الاستخبارات الروسية السابق أليكسندر ليتفنينكو عام 2005، بأن روسيا قبضت على أيمن الظواهري أواخر عام 1996 أثناء دخوله لداغستان، وقامت بتدريبه لمدة 6 شهور قبل أن تطلق سراحه في أوائل 1997 ليصل بعدها إلى أفغانستان.

كما أن وجود عائلات عدد من قيادات الجماعات الجهادية في إيران وإعلان أسامة بن لادن عن عدم القيام بأي أعمال في العمق الإيراني بسبب كونها بلد للعبور، قد أكمل الصورة ووضح الدعم الروسي الإيراني لتنظيم القاعدة، ولو من وراء ستار.

مصالح روسيا وإيران في أفغانستان
تمتلك كل من روسيا وإيران احتياطيات ضخمة من الغاز الطبيعي، ومع التوجه العالمي لاستخدام وقود نظيف بعد قمة كيوتو للمناخ في 1992، تحاول كل من إيران وروسيا استخدام تلك الاحتياطات في تمديد خطوط غاز لجيرانهم، وبيعه لزيادة مدخولاتهم الوطنية، فضلا عن استخدام تلك الثروات كقوة ناعمة لتمديد نفوذهم السياسي إقليميا ودوليا، حيث خططت إيران عام 1996 لتميد خط غاز إلى باكستان والهند، صاحبتا ثاني أكبر كتلة سكانية في أسيا بعد الصين، إلا أن الرفض الأمريكي للمشروع قد جمده، وكان البديل الأمريكي هو تمديد خط غاز من تركمنستان في وسط أسيا إلى باكستان والهند عبر أفغانستان، حيث استطاعت أمريكا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي من تمديد نفوذها على دول وسط أسيا.

بالمقابل كانت روسيا تريد طرد أمريكا من ملعبها الخلفي في وسط أسيا، ومنعها من السيطرة على سوق الغاز المتنامي في وسط أسيا، وكان البديل هو شراء غاز وسط أسيا وتصديره لأوروبا عبر شبكة من الأنابيب. وبذلك تلاقت المصالح الإيرانية والروسية في أفغانستان والهادفة لطرد أمريكا وشركاتها، فتم التحالف مع طالبان والقاعدة، وقد نجح ذلك التحالف في وقف مشروع الغاز التركمنستاني.

التحايل الأمريكي
بعد وصول بوش الابن المحافظ إلى سدة الحكم عام 2001 مع نائبه ديك تشيني، مدعومان بخلفية استثمارية ضخمة في مجال النفط، عمدا على التفكير بحيلة يمكنها من الدخول لأفغانستان وإسقاط حكم طالبان، وتمكنا بالتعاون مع المخابرات الأمريكية باستدراج مجموعة من الانتحاريين المنتمين للقاعدة والذين قاموا بهجمات 11 سبتمبر الشهيرة، وسط تغطية إعلامية كبيرة.

الهجمات المتواصلة من طالبان والقاعدة على ثكنات الجيش الأمريكي، منعت أمريكا من تحويل أفغانستان لمنطقة أمنة، بهدف تمديد خط الغاز المنشود
مشهد سقوط البرجين أججت مشاعر الغضب لدي الغرب، بالرغم من عدم منطقيته من الناحية العملية، فانهيار أعمدة البرج الفولاذية التي تحمله من أسفل بعد 45 دقيقة من تفجير طائرة في أعلاه هو مشهد سينمائي بامتياز، لأن عوارض الفولاذ التي تحمل البرجين، لا يمكنها أن تذوب في تلك الفترة الزمنية القصيرة، كما أن شهادات الناجين من التفجيرات أفادت بسماعهم تفجيرات في أسفل البرجين قبل انهياره بلحظات، فضلا عن الرسائل التي وصلت ل450 إسرائيلي من العاملين في البرجين بعدم الذهاب يوم الحادث، قد فتح شهية المحللين حول وجود مؤامرة، وهو ما تم دعمه بعد ذلك بشهادة ضابطة المخابرات الأمريكية سوزان لينداور في كتابها (تحيز متطرف)، التي أشارت لزرع متفجرات في البرجين قبل أسبوع من التفجيرات، كما شهدت أن الكاميرا التي صورت التصادم الأول كانت تابعة لأحد عملاء الموساد، الذي كان ضالعا في التخطيط للمؤامرة، بالتعاون مع وكالة المخابرات الأمريكية.

الجيش الأمريكي يحتل أفغانستان
منحت هجمات سبتمبر فرصة ذهبية لأمريكا لاحتلال أفغانستان، وهو ما تم في أواخر 2001، إلا أن الهجمات المتواصلة من طالبان والقاعدة على ثكنات الجيش الأمريكي، منعت أمريكا من تحويل أفغانستان لمنطقة أمنة، بهدف تمديد خط الغاز المنشود. من جهة أخري ساهم الدعم الروسي والإيراني لحركة طالبان بالسلاح في صمودهم أمام الجيش الأمريكي، كما أفادت شهادة أحد قياديين طالبان المنشقين بذلك، حيث أفاد القيادي المنشق (عبد الله جريك) عام 2017، عن استمرار تسليح طالبان بالسلاح الروسي والإيراني.

وبالتوازي مع تسليح إيران لطالبان، نجحت إيران في توقيع اتفاق مع باكستان لنقل الغاز، وشرعت في تنفيذ الجزء الخاص بها والذي انتهى في 2013، لكن الضغوط الأمريكية على باكستان منعت من تنفيذ الجزء الخاص بها، إلا أن الحكومة الباكستانية التي عانت من انقطاعات التيار الكهربي نتيجة لنقص موارد الطاقة، تحايلت على الأمر وتوصلت لاتفاق مع شركة غاز بروم الروسية أواخر 2018، والتي اتفقت معها على تمديد خط بحري لنقل الغاز من إيران لباكستان والهند، للتغلب على مشاكل الحدود الامنية في إقليم بلوشستان.

أمريكا تعرض الانسحاب من أفغانستان
لم يفاجأ المحللين السياسيين بالصعود المفاجئ لتنظيم الدولة صيف 2014، الذين أكدوا أنه تم بتواطؤ أمريكي، لإيجاد مبرر لدعم الأكراد في الشمال السوري لتنفيذ مخططهم في تطويق تركيا.

بالرغم من إعادة الأمال لخط غاز(تركمنستان-أفغانستان-باكستان-الهند) عام 2015، وبالتوازي مع بدء تنفيذ الجزء الخاص بأفغانستان أوائل 2019، أصبح القضاء على طالبان حلما بعيد المنال الأمر الذي اضطر الرئيس الأمريكي ترامب لعرض الانسحاب من أفغانستان مقابل عدم إيواء طالبان لأي متطرفين أجانب، في إطار المفاوضات الرامية لاستكمال مشروع الغاز في أفغانستان بموافقة طالبان، كمحاولة أخيرة لعرقلة خط غاز إيران الهند.

الجماعات الجهادية بين التبعية والاستقلال
وفي حالة التوافق بين أمريكا وطالبان على سحب أمريكا لقواتها مقابل تمرير أنبوب الغاز التركماني، هل ستلتزم الجماعات الجهادية باتفاق طالبان، أم أن الدعم الروسي الإيراني المتواصل لتنظيم القاعدة مرهون بضرب المصالح الأمريكية في أفغانستان. ومع الاستخدام السياسي للجماعات الجهادية في الصراعات الدولية بين روسيا وإيران من جهة وأمريكا من جهة أخري، هل أدركت تلك الجماعات حقيقة دورها الوظيفي وأن دعمها من أي جهة لا يعدو عن كونه حرب بالوكالة؟

ظهور داعش
لم يفاجأ المحللين السياسيين بالصعود المفاجئ لتنظيم الدولة صيف 2014، الذين أكدوا أنه تم بتواطؤ أمريكي، لإيجاد مبرر لدعم الأكراد في الشمال السوري لتنفيذ مخططهم في تطويق تركيا، وتكرارا للسيناريو الأمريكي في الدفع بالجهادين لساحة القتال لتنفيذ أجندتها السياسية والاقتصادية في المنطقة، فهل سينخدع الشباب المسلم مرة أخري ويقوم بالتضحية بنفسه في سبيل الحرب بالوكالة بين أمريكا وروسيا؟

روسيا تسيطر على سوق الغاز العالمي
في ظل الاتفاق الروسي مع الصين لتصدير الغاز (مشروع قوة سيبريا)، ودخول روسيا في مشروع أنبوب الغاز الإيراني لباكستان والهند، بالتوازي مع سيطرة العملاق الروسي على أكثر من ثلث واردات الطاقة لأوروبا، فضلا عن استكمال خط غاز السيل التركي لجنوب أوروبا و(السيل الشمالي2) لشمال أوروبا، هل سينتهي الدعم الروسي للقاعدة أخيرا، وهل ستسمح روسيا بتنفيذ مشروع الغاز المار بأفغانستان أم يستمر الصراع بالوكالة بين أمريكا وروسيا؟

المصدر: مدونات الجزيرة- معتز علي